[ذكر بني ورار]
ثمّ وصلنا إلى بني ورار ، ثم إلى ميلة (١) ، فلم نر إلا رسوما بحوادث الدّهر محيلة ؛ يقتصر في وصفهما (٢) من أراد أن يعمل بيانه ، على ما تقدّم من وصف مليانة ، وكلتاهما على شكل مدينة ، ليست بثمينة ولا متينة ؛ عمل البلى فيهما وفي السكّان ، وأدخل الجميع في خبر كان ؛ وفي كلتيهما عين تسحّ ، وعنصر (٣) يجود ولا يشحّ ؛ وبنو ورار أعمر المحلّين ، وعينها أغزر العينين ، تسقي البلد نهلا وعللا (٤) ، وتفيض عليه غللا يشفي غللا (٥) ؛ وعين ميلة في داخل البلد ، ليست بفيض ولا ثمد (٦) ، وقد طويت (٧) طيّا بديع الإحكام ، وبنيت بنيانا يدلّ على فرط اعتناء واهتمام (٨) ، تقف [١٨ / آ] عليه النّواظر وقوف استغراب ، وتصفه الألسنة على جهة الإغراب (٩) ، وكفى ببلد خلاء وفناء ألّا يحوي ما يوصف إلّا ماء وبناء.
[ذكر قسنطينة]
ثمّ وصلنا الى البلد الذي نشّفت الخطوب معينه ، وأبت الأقدار أن تكون له معينة ؛ بلد الوضع العجيب ، والموضع الخصيب ، مدينة
__________________
(١) ميلة : مدينة صغيرة تقع في الجزائر اليوم ، وتبعد عن قسنطينة ٤٠ كم إلى الشمال الغربي منها الروض المعطار : ٥٦٨ ـ وصف إفريقيا : ٢ / ٦٠.
(٢) في بقية النسخ : وصفها.
(٣) العنصر : الأصل ، وفي الحديث : (يرجع كلّ ماء إلى عنصره)
(٤) في ط : علّا ، والعلّ والعلل : الشربة الثانية.
(٥) غلل الأولى بمعنى : الماء ، وغلل الثانية بمعنى : شدّة العطش.
(٦) الثّمد والثّمد : الماء القليل الذي لا مادّ له.
(٧) طويت : عرشت بالحجارة والآجرّ.
(٨) في ت : الاعتناء والاهتمام.
(٩) في ط : الاغتراب.