الكلام بين يدي الفقيه الإمام أبي الحسن اللّخمي (١) في حكم السّفر إلى الحجّ مع فساد الطّريق ، وهل الأولى تركه احتياطا على النّفس ، أو الاستسلام في التّوجّه إليه؟ وكان اللّخمي مائلا إلى ترجيح التّرك. قال : وكان في المجلس رجل واعظ ، فقال له : يا فقيه! تسمع ما أقول؟ قال : نعم ، فأنشد : (٢) [البسيط]
إن كان سفك دمي أقصى مرادهم |
|
فما غلت نظرة منهم بسفك دمي (٣) |
فاستحسن كلّ من حضر منزعه ، وانفصل المجلس على أنّ الأولى هو تحمّل الخطر في التّوجّه ، والإعراض عن تلك العوائق. وسألته عن الأديب أبي عليّ حسن بن علي بن عمر (٤) القسنطيني المعروف بابن الفكون ، فذكر لي أنّه أدركه وهو طفل صغير ، ولم يحفظ له مولدا ولا وفاة. ورمت أن أجد من أروي عنه قصيدته المشهورة في رحلته من قسنطينة إلى مرّاكش فلم أجده ، فقيدّتها هنالك غير مرويّة ؛ وكان القسنطينيّ كتب بها إلى أبي البدر بن مردنيش وهو بقسنطينة ، وهي هذه : (٥) [الوافر]
__________________
(١) هو علي بن محمّد الربعيّ المعروف باللخمي. فقيه مالكي ، قيرواني الأصل سكن سفاقس ، وتوفي بها سنة ٤٧٨ ه ، له مصنّفات منها «التبصرة» وهو تعليق على «المدوّنة» في فقه المالكية ، أورد فيه آراء خرج بها عن المذهب. ترجمته في : الديباج : ٢٠٣ وفيه وفاته سنة ٤٩٨ ه وفيات ابن قنفذ : ٢٥٨ ـ الرحلة الورثيلانية ٤٣٠ ـ شجرة النور الزكية : ١١٧.
(٢) تمثّل بهذا البيت التجيبيّ لبيان أنّ الأجر يكون على قدر المشقّة انظر مستفاد الرحلة والاغتراب : ٢١٦ ، وهو في رحلة القلصادي : ٩٨ ، والتشوّف : ١٤٣ و ٢٠٨ ، ونفح الطّيب : ٥ / ٤٢٧ ، ونيل الابتهاج : ٢٩٦ ، وأزهار الرياض : ٤ / ٢٢٤ وهما فيه منسوبان لأبي الطيّب الواعظ ، وكان معاصرا للخميّ.
(٣) في رحلة القلصادي والنفح : مرادكم ... منكم
(٤) في ط : ابن محمد وهو خطأ ناتج عن تصحيف ، وهو شاعر مجيد ، ناثر ، من أهل قسنطينة ، رحل إلى مراكش ، ومدح خليفة بني عبد المؤمن ، لم أقف على وفاته ؛ وإن كنت أرجّح أنّها كانت في أوائل القرن السابع الهجري. ترجمته في : عنوان الدراية : ٢٨٠ ـ ٢٨٦ ، ودرة الحجال : ١ / ٢٣٦ ، ونفح الطيب : ٢ / ٤٨٣ ، وجذوة الاقتباس : ١٨٤.
(٥) القصيدة في : أزهار الرياض : ٤ / ٣٠٤ ـ ٣٠٧ ما عدا الأبيات من ٢ إلى ٦ ، ونفح الطيب : ٢ / ٤٨٣ ـ ٤٨٤ ، وتعريف الخلف : ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، والإعلام للمراكشي : ٣ / ١٣٨ ـ ١٤٠ ، ودرّة الحجال : ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٨ عدا الأبيات من ٢ إلى ٦ وجذوة الاقتباس ١٨٤ ـ ١٨٦.