مصدر ، والدار دار الآخرة. قال قتادة : المعنى بأن خلص لهم التذكير بالدار الآخرة ، ودعا الناس إليها وحضهم عليها. وقال مجاهد : خلص لهم ذكرهم الدار الآخرة ، وخوفهم لها. والعمل بحسب ذلك. وقال ابن زيد : وهبنا لهم أفضل ما في الدار الآخرة ، وأخلصناهم به ، وأعطيناهم إياه. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يريد بالدار دار الدنيا ، على معنى ذكر الثناء والتعظيم من الناس ، والحمد الباقي الذي هو الخلد المجازي ، فتجيء الآية في معنى قوله : (لِسانَ صِدْقٍ*) (١) ، وقوله : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ*) (٢). انتهى. وحكى الزمخشري هذا الاحتمال قولا فقال : وقيل (ذِكْرَى الدَّارِ) : الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق. انتهى. والباء في بخالصة باء السبب ، أي بسبب هذه الخصلة وبأنهم من أهلها ، ويعضده قراءة بخالصتهم. (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) ، أي المختارين من بين أبناء جنسهم ، (الْأَخْيارِ) : جمع خير ، وخير كميت وميت وأموات. وتقدم الكلام في اليسع في سورة الأنعام ، وذا الكفل في سورة الأنبياء. وعندنا ظرف معمول لمحذوف دل عليه المصطفين ، أي وأنهم مصطفون عندنا ، أو معمول للمصطفين ، وإن كان بأل ، لأنهم يتسمحون في الظرف والمجرور ما لا يتسمحون في غيرهما ، أو على التبيين ، أي أعني عندنا ، ولا يجوز أن يكون عندنا في موضع الخبر ، ويعني بالعندية : المكانة ، ولمن المصطفين : في موضع خبر ثان لوجود اللام ، لا يجوز أن زيدا قائم لمنطلق ، (وَكُلٌ) : أي وكلهم ، من الأخيار.
(هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ، جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ، مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ ، وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ ، هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ ، إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ ، هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ، هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ، وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ ، هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ ، قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ ، قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ ، وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ ، أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ ، إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ، رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ).
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٥٠ ، وسورة الشعراء : ٢٦ / ٨٤.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ٧٨ و ١٠٨ و ١١٩ و ١٢٩.