إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدل عليه. انتهى. وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : أي أرسل بلفظ الماضي. لما أسند إلى الله وما يفعله تعالى بقوله : كن ، لا يبقى زمانا ولا جزء زمان ، فلم يأت بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه ، ولأنه فرغ من كل شيء ، فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة وإلى المواضع المعينة. ولما أسند الإثارة إلى الريح ، وهي تؤلف في زمان ، قال : (فَتُثِيرُ) ، وأسند (أَرْسَلَ) إلى الغائب ، وفي (فَسُقْناهُ) ، و (فَأَحْيَيْنا) إلى المتكلم ، لأنه في الأول عرف نفسه بفعل من الأفعال وهو الإرسال ، ثم لما عرف قال : أنا الذي عرفتني سقت السحاب فأحييت الأرض. ففي الأول تعريف بالفعل العجيب ، وفي الثاني تذكير بالبعث. وفسقناه وفأحيينا بصيغة الماضي يؤيد ما ذكرنا من الفرق بين فتثير وأرسل. انتهى. وهذا الذي ذكر منا الفرق بين أرسل وفتثير لا يظهر. ألا ترى إلى قوله تعالى في سورة الروم : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) (١) ، وفي الأعراف : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (٢) ، كيف جاء في الإرسال بالمضارع؟ وإنما هذا من التفنن في الكلام والتصرف في البلاغة. وأما الخروج من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم المعظم نفسه فهو من باب الالتفات ، وكذلك ما في الأعراف (سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) (٣). وأما قوله : وما يفعله تعالى إلى آخره ، وكل فعل ، وإن كان أسند إلى غيره مجازا ، فهو فعله حقيقة ، فلا فرق بين ما يسنده إلى ذاته ، وبين ما يسند إلى غيره ، لأن جميع ذلك هو إيجاده وخلقه. والنشور ، مصدر نشر : الميت إذا حيي ، قال الأعشى :
حتى يقول الناس مما رأوا |
|
يا عجبا للميت الناشر |
والنشر : مبتدأ ، والجار والمجرور قبله في موضع الجر ، والتشبيه وقع لجهات لما قبلت الأرض الميتة الحياة اللائقة بها ، كذلك الأعضاء تقبل الحياة. أو كما أن الريح يجمع قطع السحاب ، كذلك تجمع أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء ؛ أو كما يسوق الرياح والسحاب إلى البلد الميت ، يسوق الروح والحياة إلى البدن. (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) : أي المغالبة ، (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) : أي ليست لغيره ، ولا تتم إلا به ، والمغالب مغلوب. ونحا إليه مجاهد وقال : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) بعبادة الأوثان ، وهذا تمثيل لقوله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) (٤). وقال قتادة : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ) وطريقها القويم
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٤٨.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٥٧.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٥٧.
(٤) سورة مريم : ١٩ / ٨١.