متتابعا ، فشبه ذلك بتتابع أكوار العمامة بعضها على أثر بعض. انتهى. (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) : العزيز الذي لا يغالب ، الغفار لمن تاب ، أو الحليم الذي لا يعجل ، سمى الحلم غفرانا مجازا.
ولما ذكر ما دل على وحدانيته وقهره ، ذكر الإنسان ، وهو الذي كلف بأعباء التكاليف ، فذكر أنه أوجدنا من نفس واحدة ، وهي آدم عليهالسلام ، وذلك أن حواء على ما روي خلقت من آدم ، فقد صار خلقا من نفس واحدة لوساطة حواء. وقيل : أخرج ذرية آدم من ظهره كالذر ، ثم خلق بعد ذلك حواء ، فعلى هذا كان خلقا من آدم بغير واسطة. وجاءت على هذا القول على وضعها ، ثم للمهلة في الزمان ، وعلى القول الأول يظهر أن خلق حواء كان بعد خلقنا ، وليس كذلك. فثم جاء لترتيب الأخبار كأنه قيل : ثم كان من أمره قبل ذلك أن جعل منها زوجها ، فليس الترتيب في زمان الجعل. وقيل : ثم معطوف على الصفة التي هي واحدة ، أي من نفس وحدت ، أي انفردت.
(ثُمَّ جَعَلَ) ، قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ، وما تعطيه من معنى التراخي؟ قلت : هما آيتان من جملة الآيات التي عددها ، دالا على وحدانيته وقدرته. تشعب هذا الفائت للحصر من نفس آدم وخلق حواء من قصيراه ، إلا أن إحداهما جعلها الله عادة مستمرة ، والأخرى لم تجر بها العادة ، ولم تخلق أنثى غير حواء من قصيري رجل ، فكانت أدخل في كونها آية ، وأجلب لعجب السامع ، فعطفها بثم على الآية الأولى ، للدلالة على مباينتها فضلا ومزية ، وتراخيها عنها فيما يرجع إلى زيادة كونها آية ، فهو من التراخي في الحال والمنزلة ، لا من التراخي في الوجود. انتهى. وأما (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) ، فقد تقدّم الكلام على هذا الجعل في أول سورة النساء ، ووصف الأنعام بالإنزال مجازا ما ، لأن قضاياه توصف بالنزول من السماء ، حيث كتب في اللوح : كل كائن يكون وأما لعيشها بالنبات والنبات ناشىء عن المطر والمطر نازل من السماء فكأنه تعالى أنزلها ، فيكون مثل قول الشاعر :
أسنمة الإبال في ربابه
أي : في سحابه ، وقال آخر :
صار الثريد في رؤوس العيدان
وقيل : خلقها في الجنة ثم أنزلها ، فعلى هذا يكون إنزال أصولها حقيقة. والأنعام :