فقد ضرها ، وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى. فإن التكليف مبني على الاختيار دون الإجبار. انتهى ، وهو على مذهب المعتزلة.
ولما ذكر تعالى أنه أنزل الكتاب على رسوله بالحق للناس ، نبه على أنه من آياته الكبرى يدل على الوحدانية ، لا يشركه في ذلك صنم ولا غيره ، فقال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) ، والأنفس هي الأرواح. وقيل : النفس غير الروح ، قاله ابن عباس. فالروح لها تدبير عالم الحياة ، والنفس لها تدبير عالم الإحساس. وفرقت فرقة بين نفس التمييز ونفس التخييل. والذي يدل عليه الحديث واللغة أن النفس والروح مترادفان ، وأن فراق ذلك من الجسد هو الموت. ومعنى يتوفى النفس : يميتها ، والتي : أي والأنفس التي لم تمت في منامها ، أي يتوفاها حين تنام ، تشبيها للنوام بالأموات. ومنه : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (١). فبين الميت والنائم قدر مشترك ، وهو كونهما لا يميزان ولا يتصرفان. فيمسك من قضى عليه الموت الحقيقي ، ولا يردها في وقتها حية ؛ ويرسل النائمة لجسدها إلى أجل ضربه لموتها. وقيل : (يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) : يستوفيها ويقبضها ، وهي الأنفس التي يكون معها الحياة والحركة. ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها ، وهي أنفس التمييز ، قالوا : فالتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة ، لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس. والنائم يتنفس ، وكون النفس تقبض ، والروح في الجسد حالة النوم ، بدليل أنه يتقلب ويتنفس ، هو قول الأكثرين. ودل على التغاير وكونها شيئا واحدا هو قول ابن جبير وأحد قولي ابن عباس ؛ والخوض في هذا ، وطلب إدراك ذلك على جليته عناء ولا يوصل إلى ذلك. (إِنَّ فِي ذلِكَ) : أي في توفي الأنفس مائتة ونائمة ، وإمساكها وإرسالها إلى أجل ، (لَآياتٍ) : لعلامات دالة على قدرة الله وعلمه ، (لِقَوْمٍ) يجيلون فيه أفكارهم ويعتبرون. وقرأ الجمهور : (قَضى) مبنيا للفاعل ، (الْمَوْتَ) : نصبا ؛ وابن وثاب ، والأعمش ، وطلحة ، وعيسى ، وحمزة ، والكسائي : مبنيا للمفعول ؛ الموت : رفعا. فأم منقطعة تقدر ببل والهمزة ، وهو تقرير وتوبيخ. وكانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤنا عندنا ، والشفاعة إنما هي لمن ارتضاه الله وبإذنه تعالى ، وهذا مفقود في آلهتهم. وأولو معناه : أيتخذونهم شفعاءهم بهذه المثابة من كونهم لا يعقلون ولا يملكون شيئا ، وذلك عام النقص ، فكيف يشفع هؤلاء؟ وتقدم لنا الكلام في أولو في سورة البقرة. وقال ابن عطية : متى دخلت ألف الاستفهام على واو العطف أو فائه أحدثت معنى التقرير. انتهى. وإذا كانوا
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٦٠.