الفراء : كلا القراءتين صواب ، تقول : قد تبين أمر الناس وأمور الناس. ولما ذكر تعالى الوعد والوعيد ، عاد إلى دلائل الإلهية والتوحيد ، فذكر أنه خالق كل شيء ، فدل على أعمال العباد لاندراجها في عموم كل شيء ، وأنه على كل الأشياء قائم لحفظها وتدبيرها.
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : قال ابن عباس : مفاتيح ، وهذه استعارة ، كما تقول : بيد فلان مفتاح هذا الأمر. وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أن المقاليد لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، بيده الخير ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير». وتأويله على هذا : أن لله هذه الكلمات ، يوحد بها ويمجد ، وهي مفاتيح خير السموات والأرض ، من تكلم بها من المتقين أصاب. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) وكلماته توحيده وتمجيده ، (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ). وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا)؟ قلت : بقوله : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) ، و (الَّذِينَ كَفَرُوا) ، (هُمُ الْخاسِرُونَ) واعترض بينهما : بأن خالق الأشياء كلها ، وهو مهيمن عليها ، لا يخفى عليه شيء من أعمال المكلفين منها وما يستحقون عليها من الجزاء ، وأن (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). قال أبو عبد الله الرازي : وهذا عندي ضعيف من وجهين : الأول : أن وقوع الفاصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد. والثاني : أن قوله تعالى : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا) : جملة فعلية ، وقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) : جملة اسمية ، وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز ، والأقرب عندي أن يقال : إنه لما وصف بصفات الإلهية والجلالة ، وهو كونه خالق الأشياء كلها ، وكونه مالكا لمقاليد السموات والأرض ، وقال : الذين كفروا بهذه الآيات الظاهرة الباهرة هم الخاسرون. انتهى ، وليس بفاصل كثير. وقوله : وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز ، كلام من لم يتأمل لسان العرب ، ولا نظر في أبواب الاشتغال. وأما قوله : والأقرب عندي فهو مأخوذ من قول الزمخشري ، وقد جعل متصلا بما يليه ، على أن كل شيء في السموات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه ، والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
(قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ، بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ