كانوا قد ماتوا ، وهذا نظير : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (١) ثم نفخ فيه أخرى ، واحتمل أخرى على أن تكون في موضع نصب ، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور ، كما أقيم في الأول ، وأن يكون في موضع رفع مقاما مقام الفاعل ، كما صرح به في قوله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) (٢).
(فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٣) : أي أحياء قد أعيدت لهم الأبدان والأرواح ، (يَنْظُرُونَ) : أي ينتظرون ما يؤمرون ، أو ينتظرون ماذا يفعل بهم ، أو يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم. والظاهر قيامهم الذي هو ضد القعود لأجل استيلاء الذهن عليهم. وقرأ زيد بن علي : قياما بالنصب على الحال ، وخبر المبتدأ الظرف الذي هو إذا الفجائية ، وهي حال لا بد منها ، إذ هي محط الفائدة ، إلا أن يقدر الخبر محذوفا ، أي فإذا هم مبعوثون ، أي موجودون قياما. وأن نصبت قياما على الحال ، فالعامل فيها ذلك الخبر المحذوف. إن قلنا الخبر محذوف ، وأن لا عامل ، فالعامل هو العامل في الظرف ، فإن كان إذا ظرف مكان على ما يقتضيه كلام سيبويه ، فتقديره : فبالحضرة هم قياما ؛ وإن كان ظرف زمان ، كما ذهب إليه الرياشي ، فتقديره : ففي ذلك الزمان الذي نفخ فيه ، هم أي وجودهم ، واحتيج إلى تقدير هذا المضاف لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ؛ وإن كانت إذا حرفا ، كما زعم الكوفيون ، فلا بد من تقدير الخبر ، إلا أن اعتقد أن ينظرون هو الخبر ، ويكون ينظرون عاملا في الحال.
وقرأ الجمهور : (وَأَشْرَقَتِ) مبنيا للفاعل ، أي أضاءت ؛ وابن عباس ، وعبيد بن عمير ، وأبو الجوزاء : مبنيا للمفعول من شرقت بالضوء تشرق ، إذا امتلأت به واغتصت وأشرقها الله ، كما تقول : ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا ، قاله الزمخشري. وقال ابن عطية : وهذا إنما يترتب على فعل يتعدى ، فهذا على أن يقال : أشرق البيت وأشرقه السراج ، فيكون الفعل مجاوزا وغير مجاوز ، كرجع ورجعته ووقف ووقفته. والأرض في هذه الآية : الأرض المبدلة من الأرض المعروفة ، ومعنى أشرقت : أضاءت وعظم نورها. انتهى. وقال صاحب اللوامح : وجب أن يكون الإشراق على هذه القراءة منقولا من شرقت الشمس إذا طلعت ، فيصير متعديا بالفعل بمعنى : أذهبت ظلمة الأرض ، ولا يجوز أن يكون من أشرقت إذا أضاءت ، فإن ذلك لازم ، وهذا قد تعدى إلى الأرض لما لم يذكر الفاعل ، وأقيمت
__________________
(١) سورة الدخان : ٤٤ / ٥٦.
(٢ ـ ٣) سورة الحاقة : ٦٩ / ١٣.