الأرض مقامه ؛ وهذا على معنى ما ذهب إليه بعض المتأخرين من غير أن يتقدم في ذلك ، لأن من الأفعال ما يكون متعديا لازما معا على مثال واحد. انتهى.
وفي الحديث الصحيح : «يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ، ليس بها علم لأحد بنور ربها». قيل : يخلق الله نورا يوم القيامة ، فيلبسه وجه الأرض ، فتشرق الأرض به ، وقال ابن عباس : النور هنا ليس من نور الشمس والقمر ، بل هو نور يخلقه الله فيضيء الأرض. وروي أن الأرض يومئذ من فضة ، والمعنى : أشرقت بنور خلقه الله تعالى ، أضافه إليه إضافة الملك إلى الملك. وقال الزمخشري : استعار الله النور للحق ، والقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل ، وهذا من ذلك. والمعنى : وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل ، وبسط من القسط في الحسنات ، ووزن الحسنات والسيئات ، وينادي عليه بأنه مستعار إضافته إلى اسمه ، لأنه هو الحق العدل ، وإضافة اسمه إلى الأرض ، لأنه يزينها حين ينشر فيها عدله ، وينصب فيها موازين قسطه ، ويحكم بالحق بين أهلها ، ولا ترى أزين للبقاع من العدل ولا أعمر لها منه ، ويقولون للملك العادل : أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك ، كما يقولون : أظلمت البلاد بجور فلان. وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الظلم ظلمات يوم القيامة» ، وكما فتح الآية بإثبات العدل ، ختمها بنفي الظلم.
(وَوُضِعَ الْكِتابُ) : أي صحائف الأعمال ووحد ، لأنه اسم جنس ، وكل أحد له كتاب على حدة ، وأبعد من قال : الكتاب هنا اللوح المحفوظ. وروي ذلك عن ابن عباس ، ولعله لا يصح ، وقد ضعف بأن الآية سيقت مقام التهديد في سياق الخبر. (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) ليشهدوا على أممهم ، (وَالشُّهَداءِ) ، قيل : جمع شاهد ، وهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم. وقيل : هم الرسل من الأنبياء. وقيل : أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، يشهدون للرسل. وقال عطاء ، ومقاتل ، وابن زيد : الحفظة. وقال ابن زيد أيضا : النبيون ، والملائكة ، وأمة محمد عليهالسلام ، والجوارح. وقال قتادة : الشهداء جمع شهيد ، وليس فيه توعد ، وهو مقصود الآية. (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) : أي بين العالم ، ولذلك قسموا بعد إلى قسمين : أهل النار وأهل الجنة ، (بِالْحَقِ) : أي بالعدل. (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) : أي جوزيت مكملا. (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) ، فلا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد ، وفي ذلك وعيد وزيادة تهديد.
(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها