على الأولين والآخرين ، وآيات الإعجاز على أيدي رسله. وهذه الآيات راجعة إلى نور العقل الداعي إلى توحيد الله. ثم قال : (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) ، وهو المطر الذي هو سبب قوام بنية البدن ، فتلك الآيات للأديان كهذا الرزق للأبدان. (وَما يَتَذَكَّرُ) : أي يتعظ ويعتبر ، وجعله تذكرا لأنه مركوز في العقول دلائل التوحيد ، ثم قد يعرض الاشتغال بعبادة غير الله فيمنع من تجلى نور العقل ، فإذا تاب إلى الله تذكر.
(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ، يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ، الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ ، وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ).
الأمر بقوله : (فَادْعُوا اللهَ) للمنيبين المؤمنين أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أي اعبدوه ، (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) من الشرك على كل حال ، حتى في حال غيظ أعدائكم المتمالئين عليكم وعلى استئصالكم. ورفيع : خبر مبتدأ محذوف. وقال الزمخشري : ثلاثة أخبار مترتبة على قوله : (الَّذِي يُرِيكُمْ) (١) ، أو أخبار مبتدأ محذوف ، وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا. انتهى. أما ترتبها على قوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ) ، فبعيد كطول الفصل ، وأما كونها أخبارا لمبتدأ محذوف ، فمبني على جواز تعدد الأخبار ، إذا لم تكن في معنى خبر واحد ، والمنع اختيار أصحابنا. وقرىء : رفيع بالنصب على المدح ، واحتمل أن يكون رفيع للمبالغة على فعيل من رافع ، فيكون الدرجات مفعولة ، أي رافع درجات المؤمنين ومنازلهم في الجنة. وبه فسر ابن سلام ، أو عبر بالدرجات عن السموات ، أرفعها سماء فوق سماء ، والعرش فوقهنّ. وبه فسر ابن جبير ، واحتمل أن يكون رفيع فعيلا من رفع الشيء علا فهو رفيع ، فيكون من باب الصفة المشبهة ، والدرجات : المصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش ، أضيفت إليه دلالة على عزه وسلطانه ، أي درجات ملائكته ، كما وصفه بقوله :
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ١٢.