أجيئك إذا زيد ذاهب ، فكذلك لا يجوز هذا. وذهب أبو الحسن إلى جواز ذلك ، فيتخرج قوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) على هذا المذهب. وقد أجاز ذلك بعض أصحابنا على قلة ، والدلائل مذكورة في علم النحو. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون انتصابه على الظرف ، والعامل فيه قوله : (لا يَخْفى) ، وهي حركة إعراب لا حركة بناء ، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن ، كيومئذ. وقال الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا
وكقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ) (١). وأما في هذه الآية فالجملة اسم متمكن ، كما تقول : جئت يوم زيد أمير ، فلا يجوز البناء. انتهى. يعني أن ينتصب على الظرف قوله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ). وأما قوله لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن ، فالبناء ليس متحتما ، بل يجوز فيه البناء والإعراب. وأما تمثيله بيوم ينفع ، فمذهب البصريين أنه لا يجوز فيه إلا الإعراب ، ومذهب الكوفيين جواز البناء والإعراب فيه. وأما إذا أضيف إلى جملة اسمية ، كما مثل من قوله : جئت يوم زيد أمير ، فالنقل عن البصريين تحتم الإعراب ، كما ذكر ، والنقل عن الكوفيين جواز الإعراب والبناء. وذهب إليه بعض أصحابنا ، وهو الصحيح لكثرة شواهد البناء على ذلك. ووقع في بعض تصانيف أصحابنا أنه يتحتم فيه البناء ، وهذا قول لم يذهب إليه أحد ، فهو وهم. (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) : أي من سرائرهم وبواطنهم. قال ابن عباس : إذا هلك من في السموات ومن في الأرض ، فلم يبق إلا الله قال : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ، فلا يجيبه أحد ، فيرد على نفسه : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ). وقال ابن مسعود : يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد بأرض بيضاء ، كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط ، فأول ما يتكلم به أن ينادي مناد : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)؟ فيجيبوا كلهم : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ). روي أنه تعالى يقرر هذا التقرير ويسكت العالم هيبة وجزعا ، فيجيب نفسه بقوله : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، فيجيب الناس ، وإنما خص التقرير باليوم ، وإن كان الملك له تعالى في ذلك اليوم وفي غيره ، لظهور ذلك للكفرة والجهلة ووضوحه يوم القيامة.
وإذا تأمّل من له مسكة عقل تسخير أهل السموات الأرض ، ونفوذ القضاء فيهم ، وتيقن أن لا ملك إلا لله ، ومن نتائج ملكه في ذلك اليوم جزاء كل نفس بما كسبت ، وانتفاء
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١١٩.