فتنفعه الذكرى في سورة عبس ، إذ هو جواب الترجي في قوله : (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى) (١). وقد تأولنا ذلك على أن يكون عطفا على التوهم ، لأن خبر لعل كثيرا جاء مقرونا بأن في النظم كثيرا ، وفي النثر قليلا. فمن نصب ، توهم أن الفعل المرفوع الواقع خبرا كان منصوبا بأن ، والعطف على التوهم كثير ، وإن كان لا ينقاس ، لكن إن وقع شيء وأمكن تخريجه عليه خرج ، وأما هنا ، فأطلع ، فقد جعله بعضهم جوابا للأمر ، وهو قوله : (ابْنِ لِي صَرْحاً) ، كما قال الشاعر :
يا ناق سيري عنقا فسيحا |
|
إلى سليمان فنستريحا |
ولما قال : (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) ، كان ذلك إقرارا بإله موسى ، فاستدرك هذا الإقرار بقوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) : أي في ادعاء الإلهية ، كما قال في القصص : (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٢). (وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك التزيين في إيهام فرعون أنه يطلع إلى إله موسى. (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ). وقرأ الجمهور : (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ) مبنيا للمفعول ؛ وقرىء : زين مبنيا للفاعل. وقرأ الجمهور : (وَصُدَّ) مبنيا للفاعل : أي وصد فرعون ؛ والكوفيون : بضم الصاد مناسبا لزين مبنيا للمفعول ؛ وابن وثاب : بكسر الصاد ، أصله صدد ، نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها ؛ وابن أبي إسحاق ، وعبد الرحمن بن أبي بكرة ، بفتح الصاد وضم الطاء ، منونة عطفا على (سُوءُ عَمَلِهِ). والتباب : الخسران ، خسر ملكه في الدنيا فيها بالغرق ، وفي الآخرة بخلود النار ، وتكرر وعظ المؤمن إثر كلام فرعون بندائه قومه مرتين ، متبعا كل نداء بما فيه زجر واتعاظ لو وجد من يقبل ، وأمر هنا باتباعه لأن يهديهم سبيل الرشاد. وقرأ معاذ بن جبل : بشد الشين ، وتقدم الكلام على ذلك. والرد على من جعل هذه القراءة في كلام فرعون ، وأجمل أولا في قوله : (سَبِيلَ الرَّشادِ) ، وهو سبيل الإيمان بالله واتباع شرعه. ثم فسر ، فافتتح بذم الدنيا وبصغر شأنها ، وأنها متاع زائل ، هي ومن تمتع بها ، وأن الآخرة هي دار القرار التي لا انفكاك منها ، إما إلى جنة ، وإما إلى نار. وكذلك قال : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها). وقرأ أبو رجاء ، وشيبة ، والأعمش ، والإخوان ، والصاحبان ، وحفص : (يَدْخُلُونَ) مبنيا للفاعل ، وباقي السبعة ، والأعرج ، والحسن ، وأبو جعفر ، وعيسى : مبنيا للمفعول.
(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ، تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ
__________________
(١) سورة عبس : ٨٠ / ٤.
(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٣٨.