السجع والقرآن. المعنى صحيح ، واللفظ فصيح ، وكانوا قبل المبعث في ضلالة ، فكانوا كالعمي ، وطريقهم الظلمة. فلما جاء الرسول ، واهتدى به قوم ، صاروا بصيرين ، وطريقهم النور ، وقدّم ما كان متقدّما من المتصف بالكفر ، وطريقته على ما كان متأخرا من المتصف بالإيمان وطريقته. ثم لما ذكر المآل والمرجع ، قدّم ما يتعلق بالرحمة على ما يتعلق بالغضب ، كما جاء : سبقت رحمتي غضبي ، فقدّم الظل على الحرور.
ثم إن الكافر المصر بعد البعثة صار أضل من الأعمى ، وشابه الأموات في عدم إدراك الحق فقال : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ) : الذين آمنوا بما أنزل الله ، (وَلَا الْأَمْواتُ) : الذين تليت عليهم الآيات البينات ، ولم ينتفعوا بها. وهؤلاء كانوا بعد إيمان من آمن ، فأخرهم لوجود حياة المؤمنين قبل ممات الكافر. وأفرد الأعمى والبصير ، لأنه قابل الجنس بالجنس ، إذ قد يوجد في أفراد العميان ما يساوي به بعض أفراد البصراء ، كأعمى عنده من الذكاء ما يساوي به البصير البليد. فالتفاوت بين الجنسين مقطوع به ، لا بين الأفراد. وجمعت الظلمات ، لأن طرق الكفر متعدّدة ؛ وأفرد النور ، لأن التوحيد والحق واحد ، والتفاوت بين كل فرد من تلك الأفراد وبين هذا الواحد فقال : الظلمات لا تجد فيها ما يساوي هذا النور. وأما الأحياء والأموات ، فالتفاوت بينهما أكثر ، إذ ما من ميت يساوي في الإدراك حيا ، فذكر أن الأحياء لا يساوون الأموات ، سواء قابلت الجنس بالجنس ، أم قابلت الفرد بالفرد. انتهى. من كلام أبي عبد الله الرازي ، وفيه بعض تلخيص.
ثم سلى رسوله بقوله : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) : أي إسماع هؤلاء منوط بمشيئتنا ، وكنى بالإسماع عن الذي تكون عنه الإجابة للإيمان. ولما ذكر أنه (ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) ، قال : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) : أي هؤلاء ، من عدم إصغائهم إلى سماع الحق ، بمنزلة من هم قد ماتوا فأقاموا في قبورهم. فكما أن من مات لا يمكن أن يقبل منك قول الحق ، فكذلك هؤلاء ، لأنهم أموات القلوب. وقرأ الأشهب ، والحسن بمسمع من ، على الإضافة ؛ والجمهور : بالتنوين. (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) : أي ما عليك إلا أن تبلغ وتنذر. فإن كان المنذر ممن أراد الله هدايته سمع واهتدى ، وإن كان ممن أراد الله ضلاله فما عليك ، لأنه تعالى هو الذي يهدي ويضل. و (بِالْحَقِ) : حال من الفاعل ، أي محق. أو من المفعول ، أي محقا ، أو صفة لمصدر محذوف ، أي إرسالا بالحق ، أي مصحوبا. قال الزمخشري : أو صلة بشير ونذير ، فنذير على بشير بالوعد الحق ؛ ونذير بالوعيد. انتهى. ولا يمكن أن يتعلق بالحق هذا بشير ونذير معا ، بل ينبغي أن يتأول كلامه