أدخل لام التعليل في لتركبوها ، ولم يدخلها على الزينة في قوله : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) (١).
ولما ذكر تعالى ما امتن به من منة الركوب للإبل في البر ، ذكر ما امتن به من نعمة الركوب في البحر فقال : (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ). ولما كان الفلك يصح أن يقال فيه : حمل في الفلك ، كقوله : (احْمِلْ فِيها) (٢) ، ويصح أن يقال فيه حمل على الفلك ، اعتبر لفظ على لمناسبة قوله : (وَعَلَيْها) ، وإن كان معنى في صحيحا (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) : أي حججه وأدلته على وحدانيته. (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) : أي إنها كثيرة ، فأيها ينكر؟ أي لا يمكن إنكار شيء منها في العقول ، (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) منصوب بتنكرون. قال الزمخشري : (فَأَيَّ آياتِ) جاءت على اللغة المستفيضة ، وقولك : فأية آيات الله قليل ، لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو : حمار وحمارة غريب ، وهي في أي أغرب لإبهامه. انتهى ، ومن قلة تأنيث : أي قوله :
بأي كتاب أم بأية سنة |
|
ترى حبهم عارا عليّ وتحسب |
وقوله : وهي في أي أغرب ، إن عنى أيا على الإطلاق فليس بصحيح ، لأن المستفيض في النداء أن يؤنث نداء المؤنث لقوله تعالى : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) (٣) ، ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول : يا أيها المرأة ، إلا صاحب كتاب البديع في النحو. وإن عنى غير المناداة ، فكلامه صحيح ، فقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة ، وما في قوله : (فَما أَغْنى) نافية شرطية واستفهامية في معنى النفي ، وما فيما كانوا مصدرية ، أو بمعنى الذي ، وهي في موضع رفع ، والضمير في (جاءَتْهُمْ) عائد على (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). وجاء قوله : (مِنَ الْعِلْمِ) على جهة التهكم بهم ، أي في الحقيقة لا علم لهم ، وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل ، وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) (٤) ، أو اعتقدوا أن عندهم علما يستغنون به عن علم الأنبياء ، كما تزعم الفلاسفة. والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله ، دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم. ولما سمع سقراط ، لعنه الله ، بموسى ، صلوات الله على نبينا وعليه ، قيل له : لو هاجرت إليه ، فقال : نحن قوم مهذبون ، فلا حاجة بنا إلى من
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٨.
(٢) سورة هود : ١١ / ٤٠.
(٣) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٧.
(٤) سورة الكهف : ١٨ / ٣٦.