يهذبنا. وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد. وقيل : الضمير في (فَرِحُوا) ، وفي (بِما عِنْدَهُمْ) عائد على الرسل ، أي فرحت الرسل بما أوتوا من العلم ، وشكروا الله عليه ، لما رأوا جهل من أرسلوا إليهم واستهزاءهم بالحق ، وعلموا سوء عاقبتهم. وقيل : الضمير في (فَرِحُوا) عائد على الأمم ، وفي (بِما عِنْدَهُمْ) عائد على الرسل ، أي فرح الكفار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء. وقال الزمخشري : ومنها ، أي من الوجوه التي في الآية في قوله : (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والسرور في تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلم. انتهى. ولا يعبر بالجملة الظاهر كونها مثبتة عن الجملة المنفية إلا في قليل من الكلام ، نحو قولهم : شر أهر ذا ناب ، على خلاف فيه ، ولما آل أمره إلى الإيتاء المحصور جاز. وأما في الآية فينبغي أن لا يحمل على القليل ، لأن في ذلك تخليطا لمعاني الجمل المتباينة ، فلا يوثق بشيء منها.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد (فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) : علمهم بأمور الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها ، كما قال تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (١) ذلك مبلغهم من العلم ، فلما جاءتهم الرسل بعلوم الديانات ، وهي أبعد شيء من علمهم لبعثها على رفض الدنيا والظلف عن الملاذ والشهوات ، لم يلتفتوا إليها ، وصغروها واستهزؤوا بها ، واعتقدوا أنه لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ، ففرحوا به. انتهى ، وهو توجيه حسن ، لكن فيه إكثار وشقشقة. (بَأْسَنا) : أي عذابنا الشديد ، حكى حال من آمن بعد تلبيس العذاب به ، وأن ذلك لم يك نافعا ، وفي ذلك حض على المبادرة إلى الإيمان ، وتخويف من التأني. فأما قوم يونس ، فإنهم رأوا العذاب لم يلتبس بهم ، وتقدمت قصتهم. وإيمانهم مرفوع بيك اسما لها ، أو فاعل ينفعهم. وفي يك ضمير الشأن على الخلاف الذي في : كان يقوم زيد ، ودخل حرف النفي على الكون ، لا على النفي ، لأنه يؤدي إلى نفي الصحة ، أي لم يصح ولم يستقم لقوله : (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) (٢). وترادف هذه الفاءات ، أما في (فَما أَغْنى) ، فلأنه كان نتيجة قوله : (كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) ، و (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) ، جار مجرى البيان والتفسير لقوله : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ). و (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) تابع لقوله : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ) ، كأنه قال : فكفروا به فلما رأوا
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٧.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٣٥.