والنظر في مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله. ولكن التركيب جاء بإنما ، وهي تقطع هذا المجرور عما بعدها ، والعلماء هم الذين علموه بصفاته وتوحيده وما يجوز عليه وما يجب له وما يستحيل عليه ، فعظموه وقدروه حق قدره ، وخشوه حق خشيته ، ومن ازداد به علما ازداد منه خوفا ، ومن كان علمه به أقل كان آمن ، وقد وردت أحاديث وآثار في الخشية. وقيل : نزلت في أبي بكر الصديق ، وقد ظهرت عليه الخشية حتى عرفت فيه. ومن ادعى أن إنما للحصر قال : المعنى ما يخشى الله إلا العلماء ، فغيرهم لا يخشاه ، وهو قول الزمخشري. وقال ابن عطية : وإنما في هذه الآية تخصيص العلماء لا الحصر ، وهي لفظة تصلح للحصر وتأتي أيضا دونه ، وإنما ذلك بحسب المعنى الذي جاءت فيه. انتهى.
وجاءت هذه الجملة بعد قوله : (أَلَمْ تَرَ) ، إذ ظاهره خطاب للرسول ، حيث عدد آياته وأعلام قدرته وآثار صنعته ، وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس ، وما يستدل به عليه وعلى صفاته ، فكأنه قال : إنما يخشاه مثلك ومن على صفتك ممن عرفه حق معرفته. وقرأ الجمهور : بنصب الجلالة ورفع العلماء. وروي عن عمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة عكس ذلك ، وتؤولت هذه القراءة على أن الخشية استعارة للتعظيم ، لأن من خشي وهاب أجل وعظم من خشيه وهاب ، ولعل ذلك لا يصح عنهما. وقد رأينا كتبا في الشواذ ، ولم يذكروا هذه القراءة ، وإنما ذكرها الزمخشري ، وذكرها عن أبي حيوة أبو القاسم يوسف بن جبارة في كتابه الكامل. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) : تعليل للخشية ، إذ العزة تدل على عقوبة العصاة وقهرهم ، والمغفرة على إنابة الطائعين والعفو عنهم.
(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ) : ظاهره يقرأون ، (كِتابَ اللهِ) : أي يداومون تلاوته. وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير : هذه آية القراء ، ويتبعون كتاب الله ، فيعملون بما فيه ؛ وعن الكلبي : يأخذون بما فيه. وقال السدي : هم أصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ورضي عنهم وقال : «عطاءهم المؤمنون». ولما ذكر تعالى وصفهم بالخشية ، وهي عمل القلب ، ذكر أنهم يتلون كتاب الله ، وهو عمل اللسان. (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) : وهو عمل الجوارح ، وينفقون : وهو العمل المالي. وإقامة الصلاة والإنفاق : يقصدون بذلك وجه الله ، لا للرياء والسمعة. (تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) : لن تكسد ، ولا يتعذر الربح فيها ، بل ينفق عند الله. (لِيُوَفِّيَهُمْ) : متعلق بيرجون ، أو بلن تبور ، أو بمضمر تقديره : فعلوا ذلك ، أقوال. وقال الزمخشري : وإن شئت فقلت : يرجون في موضع الحال على وأنفقوا راجين ليوفيهم ، أي فعلوا جميع ذلك لهذا الغرض. وخبر إن قوله : (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) لأعمالهم ، والشكر مجاز عن