فجرت الآية في ذلك على نهج كلام العرب من إطلاق المثل على نفس الشيء. وما ذهب إليه الطبري وغيره من أن مثلا زائدة للتوكيد كالكاف في قوله :
فأصبحت مثل كعصف مأكول
وقوله :
وصاليات ككما يؤثفين
ليس بجيد ، لأن مثلا اسم ، والأسماء لا تزاد ، بخلاف الكاف ، فإنها حرف ، فتصلح للزيادة. ونظير نسبة المثل إلى من لا مثل له قولك : فلان يده مبسوطة ، يريد أنه جواد ، ولا نظير له في الحقيقة إلى اليد حتى تقول ذلك لمن لا يد له ، كقوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) (١). فكما جعلت ذلك كناية عن الجود فيمن لا يد له ، فكذلك جعلت المثل كناية عن الذات في من لا مثل له. ويحتمل أيضا أن يراد بالمثل الصفة ، وذلك سائغ ، يطلق المثل بمعنى المثل وهو الصفة ، فيكون المعنى : ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره ، وهذا محمل سهل ، والوجه الأول أغوص. قال ابن قتيبة : العرب تقيم المثال مقام النفس ، فيقول : مثلي لا يقال له هذا ، أي أنا لا يقال لي هذا. انتهى. فقد صار ذلك كناية عن الذات ، فلا فرق بين قولك : ليس كالله شيء ، أو ليس كمثل الله شيء. وقد أجمع المفسرون على أن الكاف والمثل يراد بهما موضوعهما الحقيقي من أن كلا منهما يراد به التشبيه ، وذلك محال ، لأن فيه إثبات مثل لله تعالى ، وهو محال. (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوال الخلق ، (الْبَصِيرُ) لأعمالهم. وتقدم تفسير : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في سورة الزمر ؛ وقرىء : (وَيَقْدِرُ) : أي يضيق. (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) : أي يوسع لمن يشاء ، ويضيق على من يشاء. وقال الزمخشري : فإذا علم أن الغنى خير للعبد أغناه لا أفقره. انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال.
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ، وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ، فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٦٤.