المجرم ويعفو عن بعض. فأما من لا جرم له ، كالأنبياء والأطفال والمجانين ، فهو كما إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره ، فللعوض الموفى والمصلحة وعن علي : هذه أرجى آية للمؤمنين. وقال الحسن : (مِنْ مُصِيبَةٍ) : أي حد من حدود الله ، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه ، فإنما هي بكسب أيديكم. (وَيَعْفُوا) الله (عَنْ كَثِيرٍ) ، فيستره على العباد حتى لا يحد عليه. (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) : أنتم في قبضة القدرة. وقيل : ليست المصائب من الأسقام والقحط والغرق وغير ذلك بعقوبات على الذنوب لقوله : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (١) ، ولاشتراك الصالح والطالح فيهما ، بل أكثر ما يبتلي به الصالحون المتقون. وفي الحديث : «خص بالبلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل». ولأن الدنيا دار التكليف ، فلو حصل الجزاء فيها لكانت دار الجزاء ، وليس الأمر كذلك. وهذا القول يؤخره نصوص القرآن ، كقوله تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) (٢) الآية.
(وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ ، إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ، أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ، وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ، فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ، وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ، وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ، وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ، وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ).
لما ذكر تعالى من دلائل وحدانيته أنواعا ، ذكر بعدها العالم الأكبر ، وهو السموات والأرض ؛ ثم العالم الأصغر ، وهو الحيوان. ثم أتبعه بذكر المعاد ، أتبعه بذكر السفن الجارية في البحر ، لما فيها من عظيم دلائل القدرة ، من جهة أن الماء جسم لطيف شفاف يغوص فيه الثقيل ، والسفن تشخص بالأجسام الثقيلة الكثيفة ، ومع ذلك جعل تعالى للماء
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ١٧.
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٠.