فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق ، ثم قام فتلا الآية ، فقال الحسن : عقلها والله وفهمها ، لم هذه ضيعها الجاهلون. والجملة من قوله : (إِنَّمَا السَّبِيلُ) اعتراض بين قوله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ) ، وقوله : (وَلَمَنْ صَبَرَ).
(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) : أي من ناصر يتولاه من بعده ، أي من بعد إضلاله ، وهذا تحقير لأمر الكفرة. (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) : الخطاب للرسول ، والمعنى : وترى حالهم وما هم فيه من الحيرة ، (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) ، يقولون : (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) : هل سبيل إلى الردّ للدنيا؟ وذلك من فظيع ما اطلعوا عليه ، وسوء ما يحل بهم. (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) : أي على النار ، دل عليها ذكر العذاب ، (خاشِعِينَ) متضائلين صاغرين مما يلحقهم. (مِنَ الذُّلِ). وقرأ طلحة : من الذل ، بكسر الذال ؛ والجمهور بالضم ، والخشوع : الاستكانة ، وهو محمود. وإنما أخرجه إلى الذم اقترانه بالعذاب. وقيل : (مِنَ الذُّلِ) متعلق ب (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ). قال ابن عباس : ذليل. انتهى. قيل : ووصف بالخفاء لأن نظرهم ضعيف ولحظهم نهاية ، قال الشاعر :
فغض الطرف إنك من نمير
وقيل : يحشرون عميا. ولما كان نظرهم بعيون قلوبهم ، جعله طرفا خفيا ، أي لا يبدو نظرهم ، وهذا التأويل فيه تكلف. وقال السدي ، وقتادة : المعنى يسارقون النظر لما كانوا فيه من الهمّ وسوء الحال ، لا يستطيعون النظر بجميع العين ، وإنما ينظرون من بعضها ، فيجوز على هذا التأويل أن يكون الطرف مصدرا ، أي من نظر خفي. وقال الزمخشري : (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) ، أي يبتدىء نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة ، كما ترى المصور ينظر إلى السيف ، وهكذا نظر الناظر إلى المكاره ، ولا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينه منها ، كما يفعل في نظره إلى المتحاب.
(وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ ، وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ، اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ، فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ ، لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ، أَوْ