الحال ، عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه ، أو يرسل والتقدير : إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب ، أو مرسلا ، وإسناد التكلم إلى الله بكونه أرسل رسولا مجاز ، كما تقول : نادى الملك في الناس بكذا ، وإنما نادى الريح الدائر في الأسواق ، نزل ما كان بواسطة منزلة ما كان بغير واسطة. قال ابن عطية : وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكلم ، وأن الحالف الرسل ، كانت إذا حلف أن لا يكلم إنسانا فأرسل إليه ، وهو لم ينو المشافهة وقت يمينه. انتهى. (إِنَّهُ عَلِيٌ) : أي عليّ عن صفات المخلوقين ، (حَكِيمٌ) : تجري أفعاله على ما تقتضيه الحكمة ، يكلم بواسطة وبغير واسطة.
(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا) : أي مثل ذلك الإيحاء الفصل أوحينا إليك ، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث : النفث في الروع ، والمنام ، وتكليم الله له حقيقة ليلة الإسراء ، وإرسال رسول إليه ، وهو جبريل. وقيل : كما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ، (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا). قال ابن عباس : النبوة. وقال السدي : الوحي ؛ وقال قتادة : رحمة ؛ وقال الكلبي : كتابا ؛ وقال الربيع : جبريل ؛ وقيل : القرآن ؛ وسمى ما أوحى إليه روحا ، لأن به الحياة من الجهل. وقال مالك بن دينار : يا أهل القرآن ، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب ، كما أن العشب ربيع الأرض. (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) : توقيف على عظم المنة ، وهو صلىاللهعليهوسلم أعلم الناس بها ، وعطف ولا الإيمان على ما الكتاب ، وإنما معناه : الإيمان الذي يدركه السمع ، لأن لنا أشياء من الإيمان لا تعلم إلا بالوحي. أما توحيد الله وبراءته عن النقائص ، ومعرفة صفاته العلا ، فجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عالمون ذلك ، معصومون أن يقع منهم زلل في شيء من ذلك ، سابق لهم علم ذلك قبل أن يوحى إليهم. وقد أطلق الإيمان على الصلاة في قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (١) ، إذ هي بعض ما يتناوله الإيمان.
ومن طالع سير الأنبياء من نشأتهم إلى مبعثهم ، تحقق عنده أنهم معصومون من كل نقيصة ، موحدون لله منذ نشأوا. قال الله تعالى في حق يحيى عليهالسلام : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (٢). قال معمر : كان ابن سنتين أو ثلاث. وعن أبي العالية : ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن ، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان. وقال القاضي : (وَلَا الْإِيمانُ) : الفرائض والأحكام. قال : وكان قبل مؤمنا بتوحيد الله ، ثم نزلت الفرائض التي
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٤٣.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ١٢.