قلوبكم ، (نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) ، معترفين بها مستعظمين لها. لا يريد الذكر باللسان بل بالقلب ، ولذلك قابله بقوله : (وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) ، أي تنزهوا الله بصريح القول. وجاء في الحديث : «أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد لله على كل حال ، سبحان الذي سخر لنا هذا ، إلى قوله لمنقلبون ، وكبر ثلاثا وهلل ثلاثا ، وقالوا : إذا ركب في السفينة قال : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) (١) إلى رحيم ، ويقال عند النزول منها : اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين».
والقرن : الغالب الضابط المطيق للشيء ، يقال : أقرن الشيء ، إذا أطاقه. قال ابن هرمة :
وأقرنت ما حملتني ولقلما |
|
يطاق احتمال الصدياد عدو الهجر |
وحقيقة أقرنه : وجده ، قرينته وما يقرن به : لأن الصعب لا يكون قرينة للضعف. قال الشاعر :
وابن اللبون إذا ما لذ في قرن |
|
لم يستطع صولة البذل القناعيس |
والقرن : الحبل الذي يقرن به. وقال أبو عبيد : فلان مقرن لفلان ، أي ضابط له ، والمعنى : أنه ليس لنا من القوة ما نضبط به الدابة والفلك ، وإنما الله الذي سخرها. وأنشد قطرب لعمرو بن معد يكرب :
لقد علم القبائل ما عقيل |
|
لنا في النائبات بمقرنينا |
وقرىء : لمقترنين ، اسم فاعل من اقترن. (وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) : أي راجعون ، وهو إقرار بالرجوع إلى الله ، وبالبعث ، لأن الراكب في مظنة الهلاك بالغرق إذا ركب الفلك ، وبعثور الدابة ، إذ ركوبها أمر فيه خطر ، ولا تؤمن السلامة فيه. فقوله هذا تذكير بأنه مستشعر الصيرورة إلى الله ، ومستعد للقائه ، فهو لا يترك ذلك من قلبه ولا لسانه. (وَجَعَلُوا لَهُ) : أي وجعل كفار قريش والعرب له ، أي لله. من عباده : أي ممن هم عبيد الله. جزءا ، قال مجاهد : نصيبا وحظا ، وهو قول العرب : الملائكة بنات الله. وقال قتادة جزءا ، أي ندا ، وذلك هو الأصنام وفرعون ومن عبد من دون الله. وقيل : الجزء : الجزء : الإناث. قال بعض اللغويين : يقال أجزأت المرأة ، إذا ولدت أنثى. قال الشاعر :
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٤١.