الابتداء ، وأرسلنا خبره في موضع نصب باسأل بعد إسقاط الخافض ، كان سؤاله : من أرسلت يا رب قبلي من رسلك؟ أجعلت في رسالته آلهة تعبد؟ ثم ساق السؤال فحكى المعنى ، فرد الخطاب إلى محمد في قوله : (مِنْ قَبْلِكَ). (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ ، وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ ، فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ. وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ، أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ ، فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ، فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ ، فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ).
مناسبة هذه الآية لما قبلها من وجهين : أحدهما : أنه لما تقدم طعن قريش على الرسول ، واختيارهم أن ينزل القرآن على رجل من القريتين عظيم ، أي في الجاه والمال ؛ وذكر أن مثل ذلك سبقهم إليه فرعون في قوله : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)؟ إلى آخر الآية ، أتبعه بالملك والمال ، ففرعون قدوتهم في ذلك ، ومع ذلك ، فصار فرعون مقهورا مع موسى منتقما منه ، فكذلك قريش. والوجه الثاني : أنه لما قال : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا) الآية ، ذكر وقته موسى وعيسى ، وهما أكبر اتباعا ممن سبقهم من الأنبياء ، وكل جاء بالدعاء إلى الله وإفراده بالعبادة ، فلم يكن فيما جاء أبدا إباحة اتخاذ آلهة من دون الله ، كما اتخذت قريش ، فناسب ذكر قصتهما للآية التي قبلها. وآيات موسى هي المعجزات التي أتى بها. وخص الملائكة بالذكر ، وهم الأشراف لأن غيرهم من الناس تبع لهم.
(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا) ، قبله كلام محذوف تقديره : فطالبوه بما يدل على صحة دعواه الرسالة من الله. (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا) ، وهي انقلاب العصا ثعبانا وعودها عصا ، وإخراج اليد البيضاء نيرة ، وعودها إلى لونها الأول ، (إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) ، أي فاجأهم الضحك بحيث لم يفكروا ولم يتأملوا ، بل بنفس ما رأوا ذلك ضحكوا سخرية واستهزاء ، كما كانت قريش تضحك. قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز أن يجاب لما بإذا المفاجأة؟ قلت : لأن فعل المفاجأة معها مقدر ، وهو عامل النصب في محلها ، كأنه قيل : فلما جاءهم بآياتنا فاجؤا وقت ضحكهم. انتهى. ولا نعلم نحويا ذهب إلى ما ذهب إليه هذا الرجل ، من أن إذا الفجائية تكون منصوبة بفعل مقدر تقديره فاجأ ، بل المذاهب فيها