كثير ، وكلام الله صدق. قال تعالى في سورة الشعراء : (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) (١) وقيل : قوما آخرين ممن ملك مصر بعد القبط من غير بني إسرائيل. (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) : استعارة لتحقير أمرهم ، وأنه لم يتغير عن هلاكهم شيء. ويقال في التعظيم : بكت عليه السماء والأرض ، وبكته الريح ، وأظلمت له الشمس. وقال زيد بن مفرغ :
الريح تبكي شجوه |
|
والبرق يلمع في غمامه |
وقال جرير :
فالشمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكي عليك نجوم الليل والقمرا |
وقال النابغة :
بكى حادث الجولان من فقد ربه |
|
وحوران منه خاشع متضائل |
وقال جرير :
لما أتى الزهو تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشع |
ويقول في التحقير : مات فلان ، فما خشعت الجبال. ونسبة هذه الأشياء لما لا يعقل ولا يصير ذلك منه حقيقة ، عبارة عن تأثر الناس له ، أو عن عدمه. وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الملائكة وأهل الأرض ، وهم المؤمنون ، بل كانوا بهلاكهم مسرورين. روي ذلك عن الحسن. وما روي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير : إن المؤمن إذا مات ، بكى عليه من الأرض موضع عبادته أربعين صباحا ، وبكى عليه السماء موضع صعود عمله. قالوا : فلم يكن في قوم فرعون من هذه حاله تمثيل. (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) : أي مؤخرين عن العذاب لما حان وقت هلاكهم ، بل عجل الله لهم ذلك في الدنيا.
(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ ، مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ ، وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ ، وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ ، إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ ، إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ ، فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ ، وَما خَلَقْنَا
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٥٩.