من التأويل ، لم يسغ أن يقال لحن. وقال ابن القشيري : ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرىء به فلا بد من جوازه ، ولا يجوز أن يقال لحن. وقال الزمخشري : لعله اختلس فظن سكونا ، أو وقف وقفة خفيفة ، ثم ابتدأ (وَلا يَحِيقُ). وروي عن ابن كثير : ومكر السيء ، بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة ، وهو مقلوب السيء المخفف من السي ، كما قال الشاعر :
ولا يجزون من حسن بسيّ |
|
ولا يجزون من غلظ بلين |
وقرأ ابن مسعود : ومكرا سيئا ، عطف نكرة على نكرة ؛ (وَلا يَحِيقُ) : أي يحيط ويحل ، ولا يستعمل إلا في المكروه. وقرىء : يحيق بالضم ، أي بضم الياء ؛ المكر السيء : بالنصب ، ولا يحيق الله إلا بأهله ، أما في الدنيا فعاقبة ذلك على أهله. وقال أبو عبد الله الرازي : فإن قلت : كثيرا نرى الماكر يفيده مكره ويغلب خصمه بالمكر ، والآية تدل على عدم ذلك. فالجواب من وجوه : أحدها : أن المكر في الآية هو المكر بالرسول من العزم على القتل والإخراج ، ولا يحيق إلا بهم حيث قتلوا ببدر. وثانيها : أنه عامّ ، وهو الأصح ، فإنه عليهالسلام نهى عن المكر وقال : «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرا ، فإنه تعالى يقول : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) ، فعلى هذا يكون ذلك الممكور به أهلا فلا يزد نقصا». وثالثها : أن الأمور بعواقبها ، ومن مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلا في الظاهر ، ففي الحقيقة هو الفائز ، والماكر هو الهالك. انتهى.
وقال كعب لا بن عباس في التوراة «من حفر حفرة لأخيه وقع فيها» ، فقال له ابن عباس : إنا وجدنا هذا في كتاب الله ، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ). انتهى.
وفي أمثال العرب «من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا». و (سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) : إنزال العذاب على الذين كفروا برسلهم من الأمم ، وجعل استقبالهم لذلك انتظارا له منهم. وسنة الأولين أضاف فيه المصدر. وفي (لِسُنَّتِ اللهِ) إضافة إلى الفاعل ، فأضيفت أولا إليهم لأنها سنة بهم ، وثانيا إليه لأنه هو الذي سنها. وبين تعالى الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها بغيرها ولا يحولها إلى غير أهلها ، وإن كان ذلك كائن لا محالة. واستشهد عليهم مما كانوا يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم ، في رحلتهم إلى الشام والعراق واليمن من آثار الماضين ، وعلامات هلاكهم وديارهم ، كديار ثمود ونحوها ، وتقدّم الكلام على نظير هذه