بالسماء ولا بالأرض ، لأن ذلك يتبدل ، فكأنه قال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، والملك يوم القيامة ، فحذفه لدلالة ما قبله عليه ؛ ويومئذ منصوب بيخسر ، وهي جملة فيها استئناف ، وإن كان لها تعلق بما قبلها من جهة تنوين العوض. و (الْمُبْطِلُونَ) : الداخلون في الباطل. (جاثِيَةً) : باركة على الركب مستوفزة ، وهي هيئة المذنب الخائف. وقرىء : جاذية ، بالذال ؛ والجذو أشد استيفازا من الجثو ، لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه. وعن ابن عباس : جاثية : مجتمعة. وعن قتادة : جماعات ، من الجثوة : وهي الجماعة ، يجمع على جثى ، قال الشاعر :
ترى جثو بين من تراب عليهما |
|
صفائح صم من صفيح منضد |
وعن مورج السدوسي : جاثية : خاضعة ، بلغة قريش. وعن عكرمة : جاثية : متميزة. وقرأ يعقوب : (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى) ، بنصب كل أمة على البدل ، بدل النكرة الموصوفة من النكرة ؛ والظاهر عموم كل أمة من مؤمن وكافر. قال الضحاك : وذلك عند الحساب. وقال يحيى بن سلام : ذلك خاص بالكفار ، تدعى إلى كتابها المنزل عليها ، فتحاكم إليه ، هل وافقته أو خالفته؟ أو الذي كتبته الحفظة ، وهو صحائف أعمالها ، أو اللوح المحفوظ ، أو المعنى إلى ما يسبق لها فيه ، أي إلى حسابها ، أقوال. وأفرد كتابها اكتفاء باسم الجنس لقوله : (وَوُضِعَ الْكِتابُ) (١) ، (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ) ، (هذا كِتابُنا) ، هو الذي دعيت إليه كل أمة ، وصحت إضافته إليه تعالى لأنه مالكه والآمر بكتبه وإليهم ، لأن أعمالهم مثبتة فيه. والإضافة تكون بأدنى ملابسة ، فلذلك صحت إضافته إليهم وإليه تعالى.
(يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ) : يشهد بالحق من غير زيادة ولا نقصان. (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ) : أي الملائكة ، أي نجعلها تنسخ ، أي تكتب. وحقيقة النسخ نقل خط من أصل ينظم فيه ، فأعمال العباد كأنها الأصل. وقال الحسن : هو كتب الحفظة على بني آدم. وعن ابن عباس : يجعل الله الحفظة تنسخ من اللوح المحفوظ كل ما يفعل العباد ، ثم يمسكونه عندهم ، فتأتي أفعال العباد على نحو ذلك ، فبعيد أيضا ، فذلك هو الاستنساخ. وكان يقول ابن عباس : ألستم عربا؟ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟ ثم بين حال المؤمن بأنه يدخله في رحمته ، وهو الثواب الذي أعد له ، وأن ذلك هو الظفر بالبغية ؛ وبين الكافر بأنه يوبخ ويقال له : (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ) عن اتباعها والإيمان بها وكنتم
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٤٩ ، وسورة الزمر : ٣٩ / ٦٩.