وهو مرفوع بالابتداء. قال الزمخشري : قال النضر بن شميل : كأنه قال : صفة الجنة ، وهو ما تسمعون. انتهى. فما تسمعون الخبر ، وفيها أنها تفسير لتلك الصفة ، فهو استئناف إخبار عن تلك الصفة. وقال سيبويه : فيما يتلى عليكم مثل الجنة ، وقدر الخبر المحذوف متقدما ، ثم فسر ذلك الذي يتلى. وقال ابن عطية : وفي الكلام حذف يقتضيه الظاهر ، كأنه قيل : مثل الجنة ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف. وكان ابن عطية قد قال قبل هذا : ويظهر أن القصد بالتمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه. فههنا كذا ، فكأنه يتصور عند ذلك اتباعا على هذه الصورة ، وذلك هو مثل الجنة. قال : وعلى هذه التأويلات ، يعني قول النضر وقول سيبويه ، وما قاله هو يكون قبل قوله : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) حذف تقديره : أساكن؟ أو أهؤلاء؟ إشارة إلى المتقين. قيل : ويحتمل عندي أن يكون الحذف في صدر هذه الآية ، كأنه قال : مثل أهل الجنة ، وهي بهذه الأوصاف ، (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ). ويجيء قوله : (فِيها أَنْهارٌ) في موضع الحال على هذا التأويل. انتهى. ولم يذكر الزمخشري غير هذا الوجه. قال : ومثل الجنة : صفة الجنة العجيبة الشأن ، وهو مبتدأ ، وخبر من هو خالد في النار. وقوله : (فِيها أَنْهارٌ) ، في حكم الصلة ، كالتكرير لها. ألا ترى إلى سر قوله : التي فيها أنهار؟ ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف هي : فيها أنهار ، كأن قائلا قال : وما مثلها؟ فقيل : فيها أنهار.
وقال الزمخشري أيضا : فإن قلت : ما معنى قوله : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ)؟ قال : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ). قلت : هو كلام في صورة الإثبات ، ومعناه النفي والإنكار ، لانطوائهم تحت كلام مصدر بحرف الإنكار ، ودخوله في حيزه ، وانخراطه في مسلكه ، وهو قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) ، فكأنه قيل : مثل الجنة كمن هو خالد في النار ، أي كمثل جزاء من هو خالد في النار. فإن قلت : لم عري من حرف الإنكار؟ وما فائدة التعرية؟ قلت : تعريته من حرف الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من سوى بين المستمسك بالبينة والتابع لهواه ، وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار ، وبين النار التي يسقى أهلها الحميم ، ونظيره قول القائل :
أفرح إن أرزأ الكرام وإن |
|
أورث ذودا شصائصا نبلا |
هو كلام منكر للفرح برزية الكرام ووراثة الذود ، مع تعريته من حرف الإنكار ، لانطوائه تحت حكم من قال : أتفرح بموت أخيك ، وبوارثة إبله؟ والذي طرح لأجله حرف