الإنكار إرادة أن يصور قبح ما أذن به ، فكأنه قال : نعم مثلي يفرح بمرزأة الكرام ، وبأن يستبدل منهم ذودا يقل طائله ، وهو من التسليم الذي تحته كل إنكار. انتهى. وتلخص من هذا الاتفاق على إعراب : (مَثَلُ الْجَنَّةِ) مبتدأ ، واختلفوا في الخبر ، فقيل : هو مذكور ، وهو : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ). وقيل : محذوف ، فقيل : مقدر قبله ، وهو قول سيبويه. وقيل : بعده ، وهو قول النضر وابن عطية على اختلاف التقدير. ولما بين الفرق بين الفريقين في الاهتداء والضلال ، بين الفرق بينهما فيما يؤولان إليه. وكما قدم من على بينة ، على من اتبع هواه ، قدّم حاله على حاله.
وقرأ ابن كثير وأهل مكة : آسن ، على وزن فاعل ، من أسن ، بفتح السين ؛ وقرىء : غير ياسن بالياء. قال أبو علي : وذلك على تخفيف الهمز. (لَمْ يَتَغَيَّرْ) ، وغيره. و (لَذَّةٍ) : تأنيث لذ ، وهو اللذيذ ، ومصدر نعت به ، فالجمهور بالجر على أنه صفة لخمر ، وقرىء بالرفع صفة لأنهار ، وبالنصب : أي لأجل لذة ، فهو مفعول له. (مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) قال ابن عباس : لم يخرج من بطون النحل. قيل : فيخالطه الشمع وغيره ، ووصفه بمصفى لأن الغالب على العسل التذكير ، وهو مما يذكر ويؤنث. وعن كعب : أن النيل ودجلة والفرات وجيحان ، تكون هذه الأنهار في الجنة. واختلف في تعيين كل ، فهو منها لما ذا يكون ينزل ، وبدىء من هذه الأنهار بالماء ، وهو الذي لا يستغنى عنه في المشروبات ، ثم باللبن ، إذ كان يجري مجرى الطعوم في كثير من أقوات العرب وغيرهم ، ثم بالخمر ، لأنه إذا حصل الري والمطعوم تشوقت النفس إلى ما تلتذ به ، ثم بالعسل ، لأن فيه الشفاء في الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم ، فهو متأخر في الهيئة.
(وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) ، وقيل : المبتدأ محذوف ، أي أنواع من كل الثمرات ، وقدره بعضهم بقوله : زوجان. (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) : لأن المغفرة قبل دخول الجنة ، أو على حذف ، أي بنعيم مغفرة ، إذ المغفرة سبب التنعيم. (وَسُقُوا) : عائد على معنى من ، وهو خالد على اللفظ ؛ وكذا : (خَرَجُوا) : على معنى من يستمع. كان المنافقون يحضرون عند الرسول ويستمعون كلامه وتلاوته ، فإذا خرجوا ، (قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ، وهم السامعون كلام الرسول حقيقة الواعون له : (ما ذا قالَ آنِفاً)؟ أي الساعة ، وذلك على سبيل الهزء والاستخفاف ، أي لم نفهم ما يقول ، ولم ندر ما نفع ذلك. وممن سألوه : ابن مسعود. وآنفا : حال ؛ أي مبتدأ ، أي : ما القول الذي ائتنفه قبل انفصاله عنه؟ وقرأ الجمهور : آنفا ، على وزن فاعل ؛ وابن كثير : على وزن فعل. وقال