أوجب أن يأنف لها قومها وله قومه ، فوقع قتال ، فنزلت الآية بسببه. وقرأ الجمهور : (اقْتَتَلُوا) جمعا ، حملا على المعنى ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس. وقرأ ابن أبي عبلة : اقتتلتا ، على لفظ التثنية ؛ وزيد بن عليّ ، وعبيد بن عمير : اقتتلتا على التثنية ، مراعى بالطائفتين. الفريقان اقتتلوا ، وكل واحد من الطائفتين باغ ؛ فالواجب السعي بينهما بالصلح ، فإن لم تصطلحا وأقامتا على البغي قوتلتا ، أو لشبهة دخلت عليهما ، وكل منهما يعتقد أنه على الحق ؛ فالواجب إزالة الشبه بالحجج النيرة والبراهين القاطعة ، فإن لجا ، فكالباغيتين ؛ (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما) ، فالواجب أن تقاتل حتى تكف عن البغي. ولم تتعرض الآية من أحكام التي تبغي لشيء إلا لقتالها ، وإلى الإصلاح إن فاءت. والبغي هنا : طلب العلو بغير الحق ، والأمر في فأصلحوا وقاتلوا هو لمن له الأمر من الملوك وولاتهم. وقرأ الجمهور : (حَتَّى تَفِيءَ) ، مضارع فاء بفتح الهمزة ؛ والزهري : حتى تفي ، بغير همزة وفتح الياء ، وهذا شاذ ، كما قالوا في مضارع جاء يجي بغير همز ، فإذا أدخلوا الناصب فتحوا الياء أجروه مجرى يفي مضارع وفي شذوذا.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) : أي إخوة في الدين. وفي الحديث : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله». وقرأ الجمهور : (بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) مثنى ، لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان ، فإذا كان الإصلاح لازما بين اثنين ، فهو ألزم بين أكثر من اثنين. وقيل : المراد بالأخوين : الأوس والخزرج. وقرأ زيد بن ثابت ، وابن مسعود ، والحسن : بخلاف عنه ؛ والجحدري ، وثابت البناني ، وحماد بن سلمة ، وابن سيرين : بين إخوانكم جمعا ، بالألف والنون ، والحسن أيضا ، وابن عامر في رواية ، وزيد بن عليّ ، ويعقوب : بين إخوتكم جمعا ، على وزن غلمة. وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو القراءات الثلاث ، ويغلب الأخوان في الصداقة ، والإخوة في النسب ، وقد يستعمل كل منهما مكان الآخر ، ومنه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، وقوله : (أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ) (١).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) : هذه الآية والتي بعدها تأديب للأمّة ، لما كان فيه أهل الجاهلية من هذه الأوصاف الذميمة التي وقع النهي عنها. وقيل : نزلت بسبب عكرمة بن أبي جهل ، كان يمشي بالنميمة ، وقد أسلم ، فقال له قوم : هذا ابن فرعون هذه الأمة ، فعز ذلك عليه وشكاهم ، فنزلت. وقوم مرادف رجال ، كما قال تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (٢) ، ولذلك قابله هنا بقوله : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) ، وفي قول زهير :
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٦١.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٣٤.