الإنسان عن غيوب البشر. ولما أحدث فيه النذارة ، بشره بمغفرة لما سلف ؛ (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) على ما أسلف من العمل الصالح ، وهو الجنة.
ولما ذكر تعالى الرسالة ، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمنا ، ذكر الحشر ، وهو أحد الأصول الثلاثة. والثالث هو توحيد ، فقال : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) : أي بعد مماتهم. وأبعد الحسن والضحاك في قوله : إحياؤهم : إخراجهم من الشرك إلى الإيمان. (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) ، كناية عن المجازاة : أي ونحصي ، فعبر عن إحاطة علمه بأعمالهم بالكتابة التي تضبط بها الأشياء. وقرأ زر ومسروق : ويكتب ما قدموا وآثارهم بالياء مبنيا للمفعول ، وما قدموا من الأعمال. وآثارهم : خطاهم إلى المساجد. وقال : السير الحسنة والسيئة. وقيل : ما قدّموا من السيئات وآثارهم من الأعمال. وقال الزمخشري : ونكتب ما أسلفوا من الأعمال الصالحات غيرها ، وما هلكوا عنه من أثر حسن ، كعلم علموه ، وكتاب صنفوه ، أو حبيس أحبسوه ، أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك ، أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين ، وسكة أحدثها فيها تحيرهم ، وشيء أحدث فيه صد عن ذكر الله من ألحان وملاه ، وكذلك كل سنة حسنة ، أو سيئة يستن بها ، ونحوه قوله عزوجل : (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) (١) ، من آثاره. انتهى. وقرأ الجمهور : (وَكُلَّ شَيْءٍ) بالنصب على الاشتغال. وقرأ أبو السمال : بالرفع على الابتداء. والإمام المبين : اللوح المحفوظ ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد ، وقالت فرقة : أراد صحف الأعمال.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ، إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ، قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ، قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ، وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ، قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ ، قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ، وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ ، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ، بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ).
__________________
(١) سورة القيامة : ٨٥ / ١٣.