من بينهم وتهلكه. (تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) ، قال الحسن : هذا كان حين بعث إليهم صالح ، أمروا بالإيمان بما جاء به ، والتمتع إلى أن تأتي آجالهم ، ثم إنهم عتوا بعد ذلك ، ولذلك جاء العطف بالفاء المقتضية تأخر العتو عن ما أمروا به ، فهو مطابق لفظا ووجود. وقال الفراء : هذا الأمر بالتمتع كان بعد عقر الناقة ، والحين ثلاثة أيام التي أوعدوا في تمامها بالعذاب. فالعتو كان قد تقدم قبل أن يقال لهم تمتعوا ، ولا ضرورة تدعو إلى قول الفراء ، إذ هو غير مرتب في الوجود. وقرأ الجمهور : الصاعقة ؛ وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما ، والكسائي : الصعقة ، وهي الصيحة هنا. وقرأ الحسن : الصاعقة ؛ وزيد بن علي كقراءة الكسائي. (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) : أي فجأة ، وهم ينظرون بعيونهم ، قاله الطبري : وكانت نهارا. وقال مجاهد : (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) ينتظرون ذلك في تلك الأيام الثلاثة التي أعلموه فيها ، ورأوا علاماته في قلوبهم ، وانتظار العذاب أشد من العذاب.
(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) ، لقوله : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ*) (١) ، ونفي الاستطاعة أبلغ من نفي القدرة. (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ، أبلغ من نفي الانتصار : أي فما قدروا على الهرب ، ولا كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع ما حل به. وقيل : (مِنْ قِيامٍ) ، هو من قولهم : ما يقوم به إذا عجز عن دفعه ، فليس المعنى انتصاب القامة ، قاله قتادة. وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : (وَقَوْمَ) بالجر عطفا على ما تقدم ، أي وفي قوم نوح ، وهي قراءة عبد الله. وقرأ باقي السبعة ، وأبو عمرو في رواية : بالنصب. قيل : عطفا على الضمير في (فَأَخَذَتْهُمُ) ؛ وقيل : عطفا على (فَنَبَذْناهُمْ) ، لأن معنى كل منهما : فأهلكناهم. وقيل : منصوب بإضمار فعل تقديره : وأهلكنا قوم نوح ، لدلالة معنى الكلام عليه. وقيل : باذكر مضمرة. وروى عبد الوارث ، ومحبوب ، والأصمعي عن أبي عمرو ، وأبو السمال ، وابن مقسم : وقوم نوح بالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف ، أي أهلكناهم.
قوله عزوجل : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ، وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ ، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ، كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ، أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ. وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، ما أُرِيدُ
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٧٨ ـ ٩١ ، وسورة هود : ١١ / ٦٧ ـ ٩٤ ، وسورة العنكبوت : ٢٩ / ٣٧.