ويقال : وصب الشيء وصوبا : دام. وقال مجاهد : الموجع ، ومنه الوصب ، كأن المعنى : أنهم في الدنيا مرجومون ، وفي الآخرة معذبون. ويجوز أن يكون هذا العذاب الدائم لهم في الدنيا ، وهو رجمهم دائما ، وعدم بلوغهم ما يقصدون من استراق السمع.
(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) : من بدل من الضمير في لا يسمعون ، ويجوز أن يكون منصوبا على الاستثناء ، أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي خطف. وقرأ الجمهور : خطف ثلاثيا بكسر الطاء. وقرأ الحسن ، وقتادة : بكسر الخاء والطاء مشددة. قال أبو حاتم : ويقال هي لغة بكر بن وائل وتميم بن مرة. وقرىء : خطف بفتح الخاء وكسر الطاء مشددة ، ونسبها ابن خالويه إلى الحسن وقتادة وعيسى ، وعن الحسن أيضا التخفيف. وأصله في هاتين القراءتين اختطف ، ففي الأول لما سكنت للإدغام ، والخاء ساكنة ، كسرت لالتقاء الساكنين ، فذهبت ألف الوصل وكسرت الطاء اتباعا لحركة الخاء. وعن ابن عباس : خطف بكسر الخاء والطاء مخففة ، اتبع حركة الخاء لحركة الطاء ، كما قالوا نعم. وقرىء : فاتبعه ، مخففا ومشددا. والثاقب ، قال السدي وقتادة : هو النافذ بضوئه وشعاعه المنير.
(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ، بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ، وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ، وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ ، وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ، أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ، أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ ، قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ ، فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ ، فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ ، وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ ، هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).
الاستفتاء نوع من السؤال ، والهمزة ، وإن خرجت إلى معنى التقرير ، فهي في الأصل لمعنى الاستفهام ، أي فاستخبرهم ، والضمير لمشركي مكة. وقيل : نزلت في أبي الأشد بن كلدة ، وكني بذلك لشدة بطشه وقوته. وعادل في هذا الاستفهام التقريري في الأشدية بينهم وبين من خلق من غيرهم من الأمم والجن والملائكة والأفلاك والأرضين. وفي مصحف عبد الله : أم من عددنا ، وهو تفسير لمن خلقنا ، أي من عددنا من الصافات وما بعدها من المخلوقين. وغلب العاقل على غيره في قوله : (مَنْ خَلَقْنا) ، واقتصر على الفاعل في (خَلَقْنا) ، ولم يذكر متعلق الخلق اكتفاء ببيان ما تقدمه ، وكأنه قال : أم من خلقنا من غرائب المصنوعات وعجائبها. وقرأ الأعمش : أمن بتخفيف الميم دون أم ، جعله استفهاما ثانيا تقريرا أيضا ، فهما جملتان مستقلتان في التقرير ، ومن مبتدأ ، والخبر محذوف