تربصتم بالمؤمنين الدوائر ، قاله قتادة ، (وَارْتَبْتُمْ) : شككتم في أمر الدين ، (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) : وهي الأطماع ، مثل قولهم : سيهلك محمد هذا العام ، تهزمه قبيلة قريش مستأخرة الأحزاب إلى غير ذلك ، أو طول الآمال في امتداد الأعمار ، (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) ، وهو الموت على النفاق ، والغرور : الشيطان بإجماع. وقرأ سماك بن حرب : الغرور ، وتقدم ذلك.
(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) أيها المنافقون ، والناصب لليوم الفعل المنفي بلا ، وفيه حجة على من منع ذلك ، (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، في الحديث : «إن الله تعالى يعزر الكافر فيقول له : أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا ، أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟ فيقول : نعم يا رب ، فيقول الله تبارك وتعالى : قد سألتك ما هو أيسر من ذلك وأنت في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك». وقرأ الجمهور : لا يؤخذ ؛ وأبو جعفر والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر وهارون عن أبي عمرو : بالتاء لتأنيث الفدية. (هِيَ مَوْلاكُمْ) ، قيل : أولى بكم ، وهذا تفسير معنى. وكانت مولاهم من حيث أنها تضمهم وتباشرهم ، وهي تكون لكم مكان المولى ، ونحوه قوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد هي ناصركم ، أي لا ناصر لكم غيرها. والمراد نفي الناصر على البتات ، ونحوه قولهم : أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع ، ومنه قوله تعالى : (يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ) (١). وقيل : تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار.
قوله عزوجل : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ، اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ ، اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٢٩.