وقد جعلتني من خزيمة أصبعا أي : ذا مسافة مقدار أصبع ، (أَوْ أَدْنى) على تقديركم ، كقوله : (أَوْ يَزِيدُونَ) (١). (إِلى عَبْدِهِ) : أي إلى عبد الله ، وإن لم يجر لاسمه عزوجل ذكر ، لأنه لا يلبس ، كقوله : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) (٢). (ما أَوْحى) : تفخيم للوحي الذي أوحي إليه قبل. انتهى. وقال ابن عطية : (ثُمَّ دَنا) ، قال الجمهور : أي جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام عند حراء. وقال ابن عباس وأنس في حديث الإسراء : ما يقتضي أن الدنو يستند إلى الله تعالى. وقيل : كان الدنو إلى جبريل. وقيل : إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، أي دنا وحيه وسلطانه وقدرته ، والصحيح أن جميع ما في هذه الآيات هو مع جبريل بدليل قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) ، فإنه يقتضي نزلة متقدمة. وما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى ربه قبل ليلة الإسراء. ودنا أعم من تدلى ، فبين هيئة الدنو كيف كانت قاب قدر ، قال قتادة وغيره : معناه من طرف العود إلى طرفه الآخر. وقال الحسن ومجاهد : من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المقبض. وقال أبو رزين : ليست بهذه القوس ، ولكن قدر الذراعين. وعن ابن عباس : أن القوس هنا ذراع تقاس به الأطوال. وذكر الثعلبي أنه من لغة الحجاز.
(فَأَوْحى) : أي الله ، (إِلى عَبْدِهِ) : أي الرسول صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن عباس. وقيل : (إِلى عَبْدِهِ) جبريل ، (ما أَوْحى) : إبهام على جهة التعظيم والتفخيم ، والذي عرف من ذلك فرض الصلوات. وقال الحسن : فأوحى جبريل إلى عبد الله ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، ما أوحى ، كالأول في الإبهام. وقال ابن زيد : فأوحى جبريل إلى عبد الله ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، ما أوحاه الله تعالى إلى جبريل عليهالسلام. وقال الزمخشري : (ما أَوْحى) : أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك. (ما كَذَبَ) فؤاد محمد صلىاللهعليهوسلم ما رآه ببصره من صورة جبريل : أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ، ولم يشك في أن ما رآه حق. انتهى. وقرأ الجمهور : ما كذب مخففا ، على معنى : لم يكذب قلب محمد صلىاللهعليهوسلم الشيء الذي رآه ، بل صدقه وتحققه نظرا ، وكذب يتعدى. وقال ابن عباس وأبو صالح : رأى محمد صلىاللهعليهوسلم الله تعالى بفؤاده. وقيل : ما رأى بعينه لم يكذب ذلك قلبه ، بل صدقه وتحققه ، ويحتمل أن يكون التقدير فيما رأى.
وعن ابن عباس وعكرمة وكعب الأحبار : أن محمدا صلىاللهعليهوسلم رأى ربه بعيني رأسه ، وأبت
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ١٤٧.
(٢) سورة فاطر : ٣٥ / ٤٥.