العلم ، وهو ما تعلقت به علومهم من مكاسب الدنيا ، كالفلاحة والصنائع ، لقوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) (١). ولما ذكر ما هم عليه ، أخبر تعالى بأنه عالم بالضال والمهتدي ، وهو مجازيهما. وقال الزمخشري : وقوله : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) : اعتراض. انتهى ، وكأنه يقول : هو اعتراض بين (فَأَعْرِضْ) وبين (إِنَّ رَبَّكَ) ، ولا يظهر هذا الذي يقوله من الاعتراض. وقيل : ذلك إشارة إلى جعلهم الملائكة بنات الله. وقال الفراء : صغر رأيهم وسفه أحلامهم ، أي غاية عقولهم ونهاية علومهم أن آثروا الدنيا على الآخرة. وقيل : ذلك إشارة إلى الظن ، أي غاية ما يفعلون أن يأخذوا بالظن. وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) في معرض التسلية ، إذ كان من خلقه عليه الصلاة والسلام الحرص على إيمانهم ، وفي ذلك وعيد للكفار ، ووعد للمؤمنين.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : أخبر أن من في العالم العلوي والعالم السفلي ملكه تعالى ، يتصرف فيهما بما شاء. واللام في (لِيَجْزِيَ) متعلقة بما دل عليه معنى الملك ، أي يضل ويهدي ليجزي. وقيل : بقوله : (بِمَنْ ضَلَ) ، و (بِمَنِ اهْتَدى) ، واللام للصيرورة ، والمعنى : إن عاقبة أمرهم جميعا للجزاء بما عملوا ، أي بعقاب ما عملوا ، والحسنى : الجنة. وقيل : التقدير بالأعمال الحسنى ، وحين ذكر جزاء المسيء قال : بما عملوا ، وحين ذكر جزاء المحسن أتى بالصفة التي تقتضي التفضل ، وتدل على الكرم والزيادة للمحسن ، كقوله تعالى : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) ، والأحسن تأنيث الحسنى. وقرأ زيد بن علي : لنجزي ونحزي بالنون فيهما.
وتقدّم الكلام في الكبائر في قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) (٣) في سورة النساء. والذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر ، والفواحش معطوف على كبائر ، وهي ما فحش من الكبائر ، أفردها بالذكر لتدل على عظم مرتكبها. وقال الزمخشري : والكبائر : الذنوب التي لا يسقط عقابها إلا بالتوبة. انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال. (إِلَّا اللَّمَمَ) : استثناء منقطع ، لأنه لم يدخل تحت ما قبله ، وهو صغار الذنوب ، أو صفة إلى كبائر الإثم غير اللمم ، كقوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) ، أي غير الله (لَفَسَدَتا) (٤). وقيل : يصح أن يكون استثناء متصلا ، وهذا يظهر عند تفسير اللمم ما هو ، وقد اختلفوا فيه اختلافا ، فقال الخدري : هو النظرة والغمزة والقبلة. وقال السدي : الخطرة من الذنب. وقال أبو هريرة
__________________
(١) سورة الروم : ٣٠ / ٧.
(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٧.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٣١.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٢.