ولا يكلف ما لا يطيقه. والظاهر أن المأمور بالإنفاق الأزواج ، وهذا أصل في وجوب نفقة الولد على الوالد دون الأم. وقال محمد بن المواز : إنها على الأبوين على قدر الميراث. وفي الحديث : «يقول لك ابنك أنفق عليّ إلى من تكلني» ، ذكره في صحيح البخاري. وقرأ الجمهور : (لِيُنْفِقْ) بلام الأمر ، وحكى أبو معاذ : لينفق بلام كي ونصب القاف ، ويتعلق بمحذوف تقديره : شرعنا ذلك لينفق. وقرأ الجمهور : (قُدِرَ) مخففا ؛ وابن أبي عبلة : مشدد الدال ، سيجعل الله وعد لمن قدر عليه رزقه ، يفتح له أبواب الرزق. ولا يختص هذا الوعد بفقراء ذلك الوقت ، ولا بفقراء الأزواج مطلقا ، بل من أنفق ما قدر عليه ولم يقصر ، ولو عجز عن نفقة امرأته. فقال أبو هريرة والحسن وابن المسيب ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق : يفرق بينهما. وقال عمر بن عبد العزيز وجماعة : لا يفرق بينهما.
قوله عزوجل : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً ، فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً ، أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً ، رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً ، اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً).
تقدم الكلام على كأين في آل عمران ، وعلى نكرا في الكهف. (عَتَتْ) : أعرضت ، (عَنْ أَمْرِ رَبِّها) ، على سبيل العناد والتكبر. والظاهر في (فَحاسَبْناها) الجمل الأربعة ، إن ذلك في الدنيا لقوله بعدها : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) ، وظاهره أن المعد عذاب الآخرة ، والحساب الشديد هو الاستقصاء والمناقشة ، فلم تغتفر لهم زلة ، بل أخذوا بالدقائق من الذنوب. وقيل : الجمل الأربعة من الحساب والعذاب والذوق والخسر في الآخرة ، وجيء به على لفظ الماضي ، كقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) (١) ، ويكون قوله : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) تكريرا للوعيد وبيانا لكونه مترقبا ، كأنه قال : أعد الله لهم هذا العذاب. وقال الكلبي : الحساب في الآخرة ، والعذاب النكير في الدنيا بالجوع والقحط والسيف.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٤٤.