أقروا بظلمهم ، لام بعضهم بعضا ، وجعل اللوم في حيز غيره ، إذ كان منهم من زين ، ومنهم من قبل ، ومنهم من أمر بالكف ، ومنهم من عصى الأمر. ومنهم من سكت على رضا منه. ثم اعترفوا بأنهم طغوا ، وترجوا انتظار الفرج في أن يبدلهم خيرا من تلك الجنة ، (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا) : أي بهذه الجنة ، (خَيْراً مِنْها) : وتقدم الكلام في الكهف ، والخلاف في تخفيف يبدلنا ، وتثقيلها منسوبا إلى القراء. (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) : أي طالبون إيصال الخير إلينا منه. والظاهر أن أصحاب هذه الجنة كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا. وقيل : كانوا من أهل الكتاب. وقال عبد الله بن مسعود : بلغني أن القوم دعوا الله وأخلصوا ، وعلم الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة ، وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم. وعن مجاهد : تابوا فأبدوا خيرا منها. وقال القشيري : المعظم يقولون أنهم تابوا وأخلصوا. انتهى. وتوقف الحسن في كونهم مؤمنين وقال : أكان قولهم : (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) إيمانا ، أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابتهم الشدة؟.
(كَذلِكَ الْعَذابُ) : هذا خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم في أمر قريش. قال ابن عطية : والإشارة بذلك إلى العذاب الذي نزل بالجنة ، أي (كَذلِكَ الْعَذابُ) : أي الذي نزل بقريش بغتة ، ثم عذاب الآخرة بعد ذلك أشد عليهم من عذاب الدنيا. وقال كثير من المفسرين : العذاب النازل بقريش الممائل لأمر الجنة هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين حتى رأوا الدخان وأكلوا الجلود. انتهى. وقال الزمخشري : مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ) أشد وأعظم منه. انتهى. وتشبيه بلاء قريش ببلاء أصحاب الجنة هو أن أصحاب الجنة عزموا على الانتفاع بثمرها وحرمان المساكين ، فقلب الله تعالى عليهم وحرمهم. وأن قريشا حين خرجوا إلى بدر حلفوا على قتل الرسول صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، فإذا فعلوا ذلك رجعوا إلى مكة وطافوا بالكعبة وشربوا الخمور ، فقلب الله عليهم بأن قتلوا وأسروا. ولما عذبهم بذلك في الدنيا قال : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ).
قوله عزوجل : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ، ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ، أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ، إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ ، أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ ، سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ ، أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ ، يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ ،