الجمهور : المواظبة عليها. وقال ابن مسعود : صلاتها لوقتها. وقال عقبة بن عامر : يقرون فيها ولا يلتفتون يمينا ولا شمالا ، ومنه المال الدائم. وقال الزمخشري : دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها ولا يشتغلون عنها بشيء ، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسننها وأدائها ويحفظونها من الإحباط باقتران المآثم ، والدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة على أحوالها. انتهى ، وهو جوابه لسؤاله : فإن قلت : كيف قال : (عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) ، ثم قال : (عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ). وأقول : إن الديمومة على الشيء والمحافظة عليه شيء واحد ، لكنه لما كانت الصلاة هي عمود الإسلام بولغ في التوكيد فيها ، فذكرت أول خصال الإسلام المذكورة في هذه السورة وآخرها ، ليعلم مرتبتها في الأركان التي بني الإسلام عليها ، والصفات التي بعد هذه تقدم تفسيرها ، ومعظمها في سورة قد أفلح المؤمنون. وقرأ الجمهور : بشهادتهم على الإفراد ؛ والسلمي وأبو عمر وحفص : على الجمع.
قوله عزوجل : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ، عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ، أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ، كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ ، فَلا أُقْسِمُ بِرَبِ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ ، عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ، فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ، يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ).
كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلي عند الكعبة ويقرأ القرآن ، فكانوا يحتفون به حلقا حلقا يسمعون ويستهزئون بكلامه ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة ، كما يقول محمد ، فلندخلنها قبلهم ، فنزلت. وتقدم شرح (مُهْطِعِينَ) في سورة إبراهيم عليهالسلام ، ومعنى (قِبَلَكَ) : أي في الجهة التي تليك ، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) : أي عن يمينك وشمالك. وقيل : نزلت في المستهزئين الخمسة. وقرأ الجمهور : (أَنْ يُدْخَلَ) مبنيا للمفعول ؛ وابن يعمر والحسن وأبو رجاء وزيد بن عليّ وطلحة والمفضل عن عاصم : مبنيا للفاعل. (كَلَّا) : ردّ وردع لطماعيتهم ، إذ أظهروا ذلك ، وإن كانوا لا يعتقدون صحة البعث ، ولا أن ثم جنة ولا نارا.
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) : أي أنشأناهم من نطفة مذرة ، فنحن قادرون على إعادتهم وبعثهم يوم القيامة ، وعلى الاستبدال بهم خيرا منهم ، قيل : بنفس الخلق ؛ ومنته