ذِلَّةٌ) (١). انتهى. وقرأ الجمهور : (بَخْساً) بسكون الخاء ؛ وابن وثاب : بفتحها. (وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) : أي الكافرون الجائرون عن الحق. قال مجاهد وقتادة : والبأس القاسط : الظالم ، ومنه قول الشاعر :
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة |
|
وهمو أقسطوا على النعمان |
وجاء هذا التقسيم ، وإن كان قد تقدم و (أَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) ، ومنا دون ذلك ليذكر حال الفريقين من النجاة والهلكة ويرغب من يدخل في الإسلام. والظاهر أن (فَمَنْ أَسْلَمَ) إلى آخر الشرطين من كلام الجن. وقال ابن عطية : الوجه أن يكون (فَمَنْ أَسْلَمَ) مخاطبة من الله تعالى لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، ويؤيده ما بعده من الآيات. وقرأ الأعرج : رشدا ، بضم الراء وسكون الشين ؛ والجمهور : بفتحهما. وقال الزمخشري : وقد زعم من لا يرى للجن ثوابا أن الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم ، وكفى به وعيدا ، أي فأولئك تحروا رشدا ، فذكر سبب الثواب وموجبه ، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد. انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال في قوله وموجبه.
قوله عزوجل : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً ، لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً ، وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً ، وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ، قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ، قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً ، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً ، إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ، قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً ، عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً ، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).
هذا من جملة الموحى المندرج تحت (أُوحِيَ إِلَيَ) ، وأن مخففة من الثقيلة ، والضمير في (اسْتَقامُوا) ، قال الضحاك والربيع بن أنس وزيد بن أسلم وأبو مجلز : هو عائد على قوله : (فَمَنْ أَسْلَمَ) ، والطريقة : طريقة الكفر ، أي لو كفر من أسلم من الناس (لَأَسْقَيْناهُمْ) إملاء لهم واستدراجا واستعارة ، الاستقامة للكفر قلقة لا تناسب. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جبير : هو عائد على القاسطين ، والمعنى على الطريقة الإسلام والحق ، لأنعمنا عليهم ، نحو قوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا) (٢). وقيل : الضمير
__________________
(١) سورة القلم : ٦٨ / ٤٣ ، وسورة المعارج : ٧٠ / ٤٤.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٦٥.