أولياء مرتضين ، فليسوا برسل. وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم ، لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط. انتهى. وقال ابن عباس : (عالِمُ الْغَيْبِ) ، قال الحسن : ما غاب عن خلقه ، وقيل : الساعة. وقال ابن عباس : إلا بمعنى لكن ، فجعله استثناء منقطعا. وقيل : إلا بمعنى ولا أي ، ولا من ارتضى من رسول وعالم خبر مبتدأ محذوف ، أي هو عالم الغيب ، أو بدل من ربي. وقرىء : عالم بالنصب على المدح. وقال السدّي : علم الغيب ، فعلا ماضيا ناصبا ، والجمهور : عالم الغيب اسم فاعل مرفوعا. وقرأ الجمهور : (فَلا يُظْهِرُ) من أظهر ؛ والحسن : يظهر بفتح الياء والهاء من ظهر ، (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) : استثناء من أحدا ، أي فإنه يظهره على ما يشاء من ذلك ، فإنه يسلك الله من بين يدي ذلك الرسول ، (وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) : أي حفظة يحفظونه من الجن ويحرسونه في ضبط ما يلقيه تعالى إلى ذلك الرسول من علم الغيب. وعن الضحاك : ما بعث نبي إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك.
وقال القرطبي : قال العلماء : لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه ، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه ، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم ، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوّتهم ، ثم ذكر استدلالا على بطلان ما يقوله المنجم ، ثم قال باستحلال دم المنجم. وقال الواحدي : في هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدل على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك فقد كفر بما في القرآن. قال أبو عبد الله الرازي والواحدي : تجوز الكرامات على ما قال صاحب الكشاف ، فجعلها تدل على المنع من الأحكام النجومية ولا تدل على الإلهامات مجرد تشبه ، وعندي أن الآية لا تدل على شيء مما قالوه ، لأن قوله : (عَلى غَيْبِهِ) ليس فيه صفة عموم ، فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر خلقه تعالى على غيب واحد من غيوبه ، ويحمله على وقت قيام القيامة فلا يبقى دليل في الآية على أنه لا يظهر شيئا من الغيوب لأحد ، ويؤكده أنه ذكر هذه الآية عقيب قوله : (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) الآية : أي لا أدري وقت وقوع القيامة ، إذ هي من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد. و (إِلَّا مَنِ ارْتَضى) : استثناء منقطع ، كأنه قال : فلا يظهر على غيبه المخصوص أحدا إلا من ارتضى من رسول ، فله حفظة يحفظونه من شرّ مردة الإنس والجن.
قال أبو عبد الله الرازي : واعلم أنه لا بد من القطع بأنه ليس المراد من هذه الآية أنه