والنقصان وقع على الثلثين من آخر الليل ، لأن الثلث الأول وقت العتمة ، والاستثناء وارد على المأمور به ، فكأنه قال : قم ثلثي الليل إلا قليلا ، ثم جعل نصفه بدلا من قليلا ، فصار القليل مفسرا بالنصف من الثلثين ، وهو قليل من الكل. فقوله : (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ) : أي من المأمور به ، وهو قيام الثلث ، (قَلِيلاً) : أي ما دون نصفه ، (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) ، أي على الثلثين ، فكان التخيير في الزيادة والنقصان واقعا على الثلثين. وقال أبو عبد الله الرازي : قد أكثر الناس في تفسير هذه الآية ، وعندي فيه وجهان ملخصان ، وذكر كلاما طويلا ملفقا يوقف عليه من كتابه. وتقدّم تفسير الترتيل في آخر الإسراء.
(قَوْلاً ثَقِيلاً) : هو القرآن ، وثقله بما اشتمل عليه من التكاليف الشاقة ، كالجهاد ومداومة الأعمال الصالحة. قال الحسن : إن الهذ خفيف ، ولكن العمل ثقيل. وقال أبو العالية : والقرطبي : ثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعيده. وقيل : ثقله ما كان يحل بجسمه صلىاللهعليهوسلم حالة تلقيه الوحي ، حتى كانت ناقته تبرك به ذلك الوقت ، وحتى كادت رأسه الكريمة أن ترض فخذ زيد بن ثابت. وقيل : كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساف. قال ابن عباس : كلاما عظيما. وقيل : ثقيل في الميزان يوم القيامة ، وهو إشارة إلى العمل به. وقيل : كناية عن بقائه على وجه الدهر ، لأن الثقيل من شأنه أن يبقى في مكانه.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) ، قال ابن عمر وأنس بن مالك وعليّ بن الحسين : هي ما بين المغرب والعشاء. وقالت عائشة ومجاهد : هي القيام بعد اليوم ، ومن قام أول الليل قبل اليوم ، فلم يقم ناشئة الليل. وقال ابن جبير وابن زيد : هي لفظة حبشية ، نشأ الرجل : قام من الليل ، فناشئة على هذا جمع ناشىء ، أي قائم. وقال ابن جبير وابن زيد أيضا وجماعة : ناشئة الليل : ساعاته ، لأنها تنشأ شيئا بعد شيء. وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن وأبو مجلز : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة ، وما كان قبلها فليس بناشئة. قال ابن عباس : كانت صلاتهم أول الليل ، وقال هو وابن الزبير : الليل كله ناشئة. وقال الكسائي : ناشئة الليل أوله. وقال الزمخشري : ناشئة الليل : النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة ، أي تنهض وترتفع من نشأت السحابة إذا ارتفعت ، ونشأ من مكانه ونشر إذا نهض. قال الشاعر :
نشأنا إلى خوص برى فيها السرى |
|
وألصق منها مشرفات القماحد |
أو : قيام الليل ، على أن الناشئة مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعله كالعاقبة. انتهى. وقرأ الجمهور : وطاء بكسر الواو وفتح الطاء ممدودا. وقرأ قتادة وشبل ، عن أهل