هذه السورة مكية في قول الجمهور. وقال مجاهد وقتادة : مدنية. وقال الحسن وعكرمة : مدنية إلا آية واحدة فإنها مكية وهي : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً). وقيل : مدنية إلا من قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) إلخ ، فإنه مكي ، حكاه الماوردي. ومناسبتها لما قبلها ظاهرة جدّا لا تحتاج إلى شرح.
(هَلْ) حرف استفهام ، فإن دخلت على الجملة الاسمية لم يمكن تأويله بقد ، لأن قد من خواص الفعل ، فإن دخلت على الفعل فالأكثر أن تأتي للاستفهام المحض. وقال ابن عباس وقتادة : هي هنا بمعنى قد. قيل : لأن الأصل أهل ، فكأن الهمزة حذفت واجتزئ بها في الاستفهام ، ويدل على ذلك قوله :
سائل فوارس يربوع لحلتها |
|
أهل رأونا بوادي النتّ ذي الأكم |
فالمعنى : أقد أتى على التقدير والتقريب جميعا ، أي أتى على الإنسان قبل زمان قريب حين من الدهر لم يكن كذا ، فإنه يكون الجواب : أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكور. وما تليت عند أبي بكر ، وقيل : عند عمر رضي الله تعالى عنهما قال : ليتها تمت ، أي ليت تلك الحالة تمت ، وهي كونه شيئا غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف. والإنسان هنا جنس بني آدم ، والحين الذي مرّ عليه ، إما حين عدمه ، وإما حين كونه نطفة. وانتقاله من رتبة إلى رتبة حتى حين إمكان خطابه ، فإنه في تلك المدة لا ذكر له ، وسمي إنسانا باعتبار ما صار إليه. وقيل : آدم عليه الصلاة والسلام ، والحين الذي مر عليه هي المدة التي بقي فيها إلى أن نفخ فيه الروح. وعن ابن عباس : بقي طينا أربعين سنة ، ثم صلصالا أربعين ، ثم حمأ مسنونا أربعين ، فتم خلقه في مائة وعشرين سنة ، وسمي إنسانا باعتبار ما آل إليه. والجملة من (لَمْ يَكُنْ) في موضع الحال من الإنسان ، كأنه قيل : غير مذكور ، وهو الظاهر أو في موضع الصفة لحين ، فيكون العائد على الموصوف محذوفا ، أي لم يكن فيه.
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) : هو جنس بني آدم لأن آدم لم يخلق (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) : أخلاط ، وهو وصف للنطفة. فقال ابن مسعود وأسامة بن زيد عن أبيه : هي العروق التي في النطفة. وقال ابن عباس ومجاهد والربيع : هو ماء الرجل وماء المرأة اختلطا في الرحم فخلق الإنسان منهما. وقال الحسن : اختلاط النطفة بدم الحيض ، فإذا حبلت ارتفع الحيض. وقال ابن عباس أيضا وعكرمة وقتادة : أمشاج منتقلة من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى غير ذلك إلى إنشائه إنسانا. وقال ابن عباس أيضا والكلبي : هي ألوان النطفة. وقيل :