عبد الله : ثم سنتبعهم ، بسين الاستقبال ؛ والأعرج والعباس عن أبي عمرو : بإسكانها ؛ فاحتمل أن يكون معطوفا على (نُهْلِكِ) ، واحتمل أن يكون سكن تخفيفا ، كما سكن (وَما يُشْعِرُكُمْ) ، فهو استئناف. فعلى الاستئناف يكون الأولين الأمم التي تقدمت قريشا أجمعا ، ويكون الآخرين من تأخر من قريش وغيرهم. وعلى التشريك يكون الأولين قوم نوح وإبراهيم عليهماالسلام ومن كان معهم ، والآخرين قوم فرعون ومن تأخر وقرب من مدة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. والإهلاك هنا إهلاك العذاب والنكال ، ولذلك جاء (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) ، فأتى بالصفة المقتضية لإهلاك العذاب وهي الإجرام.
ولما ذكر إفناء الأولين والآخرين ، ذكر ووقف على أصل الخلقة التي يقتضي النظر فيها تجويز البعث ، (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) : أي ضعيف هو مني الرجل والمرأة ، (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) : وهو الرحم ، (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) : أي عند الله تعالى ، وهو وقت الولادة. وقرأ عليّ بن أبي طالب : فقدرنا بشد الدال من التقدير ، كما قال : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (١) ؛ وباقي السبعة : بخفها من القدرة؟ وانتصب (أَحْياءً وَأَمْواتاً) بفعل يدل عليه ما قبله ، أي يكفت أحياء على ظهرها ، وأمواتا في بطنها. واستدل بهذا من قال : إن النباش يقطع ، لأن بطن الأرض حرز للكفن ، فإذا نبش وأخذ منه فهو سارق. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : نكفتكم أحياء وأمواتا ، فينتصبا على الحال من الضمير لأنه قد علم أنها كفات الإنس. انتهى. و (رَواسِيَ) : جبالا ثابتات ، (شامِخاتٍ) : مرتفعات ، ومنه شمخ بأنفه : ارتفع ، شبه المعنى بالجرم. (وَأَسْقَيْناكُمْ) : جعلناه سقيا لمزراعكم ومنافعكم.
(انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ، انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ ، لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ ، إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ، كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ ، وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ، كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ). يقال للمكذبين : (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) : أي من العذاب. (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍ) :
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٩.