بنفسه. وقال الجمهور : هو كناية عن إعراضه عن الإيمان. (يَسْعى) : يجتهد في مكابدة موسى عليهالسلام. (فَحَشَرَ) : أي جمع السحرة وأرباب دولته ، (فَنادى) : أي قام فيهم خطيبا ، أو فنادى في المقام الذي اجتمعوا فيه معه. (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، قال ابن عطية : قول فرعون ذلك نهاية في المخرقة ، ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم. انتهى. وإنما قال ذلك لأن ملك مصر في زمانه كان اسماعيليا ، وهو مذهب يعتقدون فيه إلهية ملوكهم ، وكأن أول من ملكها منهم المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله ، ولا هم العاضد وطهر الله مصر من هذا المذهب الملعون بظهور الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن سادي ، رحمهالله تعالى وجزاه عن الإسلام خيرا.
(فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) ، قال ابن عباس : الآخرة قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (١) ، والأولى قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى). وقيل العكس ، وكان بين قولتيه أربعون سنة. وقال الحسن وابن زيد : نكال الآخرة بالحرق ، والأولى يعني الدنيا بالغرق. وقال مجاهد : عذاب آخرة حياته وأولاها. وقال أبو زرين : الأولى كفره وعصيانه ، والآخرة قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى). وقال مجاهد عبارة عن أول معاصيه ، وآخرها : أي نكل بالجميع ، وانتصب نكال على المصدر والعامل فيه (فَأَخَذَهُ) لأنه في معناه وعلى رأي المبرد : بإضمار فعل من لفظه ، أي نكل نكال ، والنكال بمعنى التنكيل ، كالسلام بمعنى التسليم. وقال الزمخشري : (نَكالَ الْآخِرَةِ) هو مصدر مؤكد ، ك (وَعَدَ اللهُ) (٢) ، و (صِبْغَةَ اللهِ) (٣) ، كأنه قيل : نكل الله به نكال الآخرة والأولى. انتهى. والمصدر المؤكد لمضمون الجملة السابقة يقدر له عامل من معنى الجملة. (إِنَّ فِي ذلِكَ) : فيما جرى لفرعون وأخذه تلك الأخذة ، (لَعِبْرَةً) : لعظة ، (لِمَنْ يَخْشى) : أي لمن يخاف عقوبة الله يوم القيامة وفي الدنيا.
قوله عزوجل : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها ، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ، وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ، أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ، وَالْجِبالَ أَرْساها ، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ، فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى ، يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى ، وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى ، فَأَمَّا مَنْ طَغى ، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ، وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى ، يَسْئَلُونَكَ عَنِ
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٣٨.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٢٢ ، وسورة يونس : ١٠ / ٤.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٣٨.