ألزمها. وقال ابن عباس : عرفها. وقال ابن زيد : بين لها. وقال الزجاج : وفقها للتقوى ، وألهمها فجورها : أي خذلها ، وقيل : عرفها وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور واكتساب التقوى. وقال الزمخشري : ومعنى إلهام الفجور والتقوى : إفهامها وإعقالها ، وأن أحدهما حسن والآخر قبيح ، وتمكينه من اختيار ما شاء منهما بدليل قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) ، فجعله فاعل التزكية والتدسية ومتوليهما. والتزكية : الإنماء ، والتدسية : النقص والإخفاء بالفجور. انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال.
(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) ، قال الزجاج وغيره : هذا جواب القسم ، وحذفت اللام لطول الكلام ، والتقدير : لقد أفلح. وقيل : الجواب محذوف تقديره لتبعثن. وقال الزمخشري : تقديره ليدمدمن الله عليهم ، أي على أهل مكة ، لتكذيبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، كما دمدم على ثمود لأنهم كذبوا صالحا. وأما (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) فكلام تابع لقوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) على سبيل الاستطراد ، وليس من جواب القسم في شيء ، انتهى. وزكاؤها : ظهورها ونماؤها بالعمل الصالح ، ودساها : أخفاها وحقرها بعمل المعاصي. والظاهر أن فاعل زكى ودسى ضمير يعود على من ، وقاله الحسن وغيره. ويجوز أن يكون ضمير الله تعالى ، وعاد الضمير مؤنثا باعتبار المعنى من مراعاة التأنيث. وفي الحديث ما يشهد لهذا التأويل ، كان عليهالسلام إذا قرأ هذه الآية قال : «اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها». وقال الزمخشري : وأما قول من زعم أن الضمير في زكى ودسى لله تعالى ، وأن تأنيث الراجع إلى من لأنه في معنى النفس ، فمن تعكيس القدرية الذين يوركون على الله قدرا هو بريء منه ومتعال عنه ، ويحيون لياليهم في تمحل فاحشة ينسبونها إليه تعالى ، انتهى. فجرى على عادته في سب أهل السنة. هذا ، وقائل ذلك هو بحر العلم عبد الله بن عباس ، والرسول صلىاللهعليهوسلم يقول : «وزكها أنت خير من زكاها».
وقال تعالى : (دَسَّاها) في أهل الخير بالرياء وليس منهم ؛ وحين قال : (وَتَقْواها) أعقبه بقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها). ولما قال : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) ، أعقبه بأهل الجنة. ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه ، ذكر فرقة فعلت ذلك ليعتبر بهم. (بِطَغْواها) : الباء عند الجمهور سببية ، أي كذبت ثمود نبيها بسبب طغيانها. وقال ابن عباس : الطغوى هنا العذاب ، كذبوا به حتى نزل بهم لقوله : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (١). وقرأ الجمهور : (بِطَغْواها) بفتح الطاء ، وهو مصدر من الطغيان ، قلبت فيه
__________________
(١) سورة الحاقة : ٦٩ / ٥.