بمعرفة السامع. وذكر في كلامه أن الثاني امتنع لامتناع الأول ، وليس كما ذكر ، إنما هذا قول ضعفاء المعربين. والذي ذكره سيبويه : أنها حرف لما كان سيقع لوقوع الأول. ويفسد قول أولئك الضعفاء قولهم : لو كان إنسانا لكان حيوانا ، فالحيوانية لا تمتنع لامتناع الإنسانية. ثم قال : ويجوز أن يقال : إن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة ، وأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدم على أمر المشروب ، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعا للمطعوم ، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب. والظاهر أن (شَجَرَتَها) ، المراد منه الشجر الذي يقدح منه النار. وقيل : المراد بالشجرة نفس النار ، كأنه يقول : نوعها أو جنسها ، فاستعار الشجرة لذلك ، وهذا قول متكلف.
(نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) : أي لنار جهنم ، (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) : أي النازلين الأرض القوا ، وهي القفر. وقيل : للمسافرين ، وهو قريب مما قبله ؛ وقول ابن زيد : الجائعين ، ضعيف جدا. وقدم من فوائد النار ما هو أهم وآكد من تذكيرها بنار جهنم ، ثم أتبعه بفائدتها في الدنيا. وهذه الأربعة التي ذكرها الله تعالى ووقفهم عليها ، من أمر خلقهم وما به قوام عيشهم من المطعوم والمشروب. والنار من أعظم الدلائل على البعث ، وفيها انتقال من شيء إلى شيء ، وإحداث شيء من شيء ، ولذلك أمر في آخرها بتنزيهه تعالى عما يقول الكافرون. ووصف تعالى نفسه بالعظيم ، إذ من هذه أفعاله تدل على عظمته وكبريائه وانفراده بالخلق والإنشاء.
قوله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ، تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ، أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ، وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ، فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ ، فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ، تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ، وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ، وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ، فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ ، وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ، إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).
قرأ الجمهور : (فَلا أُقْسِمُ) ، فقيل : لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ