قال أبو إسحاق : ثم استخلف الله على بني إسرائيل بعد قتلهم شعيبا رجلا منهم يقال له :
ناشية بن أموص وبعث لهم نبيا اسمه الخضر واسمه أرميا / وكان من ولد هارون :
فبعث الله تعالى إلى بني إسرائيل وكانت قد فشت (١) فيهم المعاصي ، واستحلوا المحارم. فقام فيهم أرميا ولم يدر ما يقول ، فألهمه الله خطبة طويلة ، وفي آخرها : إن الله يقول : وعزتي وجلالي ، لأقيضن لهم فتنة ولأسلطن عليهم جبارا قلبه قاسيا ألبسه الهيبة ، وأنزع من قلبه الرحمة ، ويتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم.
ثم أوحى الله إلى أرميا : أني مهلك بني إسرائيل بيافث ، ويافث أهل بابل.
فلما سمع أرميا عليهالسلام ذلك صاح وبكى وشق ثيابه وحثى التراب على رأسه (٢). فلما سمع الله تضرعه ، أوحى إليه : أشق ذلك [عليك](٣)؟
قال : يا رب أهلكني قبلهم.
فأوحى الله إليه : أني لا أهلك بني إسرائيل حتى تكون أنت السائل في ذلك.
ففرح وطابت نفسه ، وقال : لا والذي بعث موسى بالحق لا أرضى بهلاك بني إسرائيل. ثم أتى الملك وأخبره بذلك.
وكان الملك صالحا ، ثم أنهم لبثوا بعد الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية ، وذلك حين قرب هلاكهم.
ودعاهم الملك إلى الطاعة ، فأبوا ، فسلط الله عليهم :
بخت نصّر :
فخرج في ستمائة ألف راية يريد بيت المقدس ، فلما سار وصل الخبر إلى ملك بني إسرائيل ، فقال لأرميا : أين ما وعدك ربك؟
قال : إن ربي لا يخلف الميعاد.
فلما قرب الأجل بعث الله إلى أرميا ملكا في صورة رجل من بني إسرائيل ، فقال : يا نبي الله ، إني مستفتيك في أهل رحمي وصلتهم بكل خير ونعمة ولا يقابلوا في إلا سخطا فافتني (٤) فيهم.
__________________
(١) في المخطوط : فشا ، وهو تحريف.
(٢) هذه أفعال لا يمكن أن تصدر من نبي من أنبياء الله تعالى ولا تكون أمرا تعبديا يتقرب به إلى الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وتنزه أنبياؤه عن مثل هذه الأفعال وتطهروا تطهيرا.
(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق وإن لم أوافق على الخبر.
(٤) في المخطوط : فانني ، وهو تحريف.