وقال بعضهم : ينبغي للعاقل أن يكون في الدنيا إحدى حالتين : إما في غاية من طلب الدنيا أو في الغاية من تركها. إما مع الملوك مكرما أو مع العباد معظما ، وما غير ذلك من هاتين (١) الحالتين دون ذلك فمن ابتغاه فألحقه بعالم البهائم الحيوانية ، وأخرجه عن حال الإنسانية ، وعده من البهائم المرسلة ، وأعدد له بردعة (٢) وسلسلة.
وقال أهل الفضل : خلق الله سبحانه وتعالى لكل إنسان قوة ثلاثة : ناطقية ، وغضبية ، وشهوانية.
فالناطقية هي التي شابه بها الملائكة ، فشابههم في النطق والذكر والتسبيح والعبادة.
والغضبية : إذا افرطت أخرجت صاحبها من حد الإنسانية وألحقته بعالم السباع الضواري والوحوش الكواسر ، فتراه يغضب كالأسد ، أو يثب كالنمر ، أو يغير كالذئب ، أو يحقد كالخنزير ، أو يرتعد كالقرد ، وقس على مثل هذا ما يشابهه من الوحوش حال تحرك غضبه.
والشهوانية : إذا أفرطت ألحقت صاحبها بعالم البهائم وأخرجته من عالم الإنسانية ، فإن البهائم ليس لها من الدنيا غرض غير الأكل والنكاح ، فاجهد أن تروض نفسك حتى تلحقها بالقوة الناطقية ، لتكون متشبها بالملائكة.
وصية حسنة
يا ولدي ، أراك قد عزمت على السفر ، فاسمع مقالي وانتصح بوصيتي تملك وثائق التدبير ، وتكون في غربتك ميسورا وتنقلب إلى أهلك مسرورا.
عليك بحسن الشمائل : فإنها تدل على الحرية.
ونقاء الأطراف : فإنها تدل على الملوكية.
ونظافة البدن : فإنها / تشهد بحسن المنشأ في النعمة.
وطيب الرائحة : فإنها من إظهار المروءة.
والأدب الحسن : فإنه يكسب المحبة والمودة.
وليكن عقلك سرا لدينك ، وقولك دون فعلك ولباسك دون قدرك.
والزم الحياء وغض بصرك عن عيوب الناس ، وخالقهم بخلق حسن ، واضبط للمقال ، واعتبر الجواب. فهذه وصيتي إليك وخليفتي عليك.
__________________
(١) في المخطوط : هذه ، وهو تحريف.
(٢) في المخطوط : بروعه ، وهو تحريف.