ومما وقع للرشيد مع ابي نواس :
وذلك أن هارون الرشيد كان من جملة حظاياه واحدة كلما كانت ليلتها يأتيها فيراها في الحيض ، فيتركها ، ويذهب لغيرها ، فأعياها ذلك.
فلما طهرت من الحيض ولم تكن أتت نوبتها أرسلت خادمها للأمير وبصحبته ورقة فيها : زر ثوب أبيض ، وبعض حبات من حب الكزبرة اليابسة.
فلما دخل عليه الخادم بذلك لم يفهم معناه ، ولا من حضر مجلسه. فأرسل لأبي النواس ، فحضر ، فلما جلس رفع له الورقة بما فيها فأنشد ارتجالا :
بعثت إليك بزر ثوب أبيض |
|
وببعض شيء من حبوب الكزبرا |
فنظرتهم متأملا مرموزهم |
|
ورفعتهم في راحتي متفكرا |
فالزر زرني قد هلكت من الجفا |
|
والكزبرة يا سيدي كسي برا |
فانهض إليها عاجلا لتزورها |
|
فوحق رأسك سيدي هذا جرى |
قال : فقام من وقته ودخل إليها فوجد الأمر كما قال أبو نواس.
ونظير ذلك :
ونظير ما تقدم إلى أخويه مما وقع للملك العزيز بن السلطان صلاح الدين أيوب وذلك أنه كان يهوى بعض نساء الأمراء وكانت فريدة حسنها ، وكانت تحبه ويحبها ، فثم اطلع أبيه على ذلك ، فطلبه سرا ، وأقسم إن عاد لمثل ذلك قتله ، فتركها.
فلما لم يعد إليها أرسلت إليه أكرة من العنبر / فكسرها ، فإذا فيها ذر من ذهب ، فلم يفهم معنى ذلك فأرسله من ساعته للقاضي عبد الرحيم الفاضل وزير أبيه ، فلما نظر ذلك كتب إليه من ساعته يقول :
أهديت لك العنبر في وسطه |
|
ذر من البتر ، ودقيق اللحام |
فالزر والعنبر معناهما |
|
زرني كذا مستخفيا في الظلام |
فعلم المراد وزار في الظلام.
ومما وقع لأمير المؤمنين المعتمد على الله مع الأديب النحلي في كتابه المسمى بالذخيرة :
وذلك أنه مشت بين يدي الأمير حظية من حظاياه لم تقع العين على حسن مثلها عليها غلالة خز لا يكاد يفرق بينها وبين بدنها. وقد أسبلت من ورائها ذوائب كالليل.
وكان بين يديه باطيه مملوءة بماء الورد فصبته عليها فتشابه الكل لينا ورائحة ، وأدركت المعتمد رائحة الطرب وكمال الجمال وهيف القد والاعتدال فمال بعطفه الأدب فأنشد :