فقلت له : إن الأمير أرسلني إليك لتعلمني المروءة.
فدعى بطوبة فوضعها وأمرني بالجلوس عليها وتحدث ساعة ، وقد استليت غضبا من تقصيره في أمري.
ثم قال لأحد عبيده : هات ما عندك يؤكل ، فجاء بطبق لطيف عليه رغيفان وثلاث سكارج في أحدها / جبن وفي الأخرى عسل ، وفي الأخرى ملح ، فأكلنا ، ثم رفع.
فجاء الخادم بالوضوء ، فتوضأنا ، ثم صلينا الظهر.
وقال : إن رأيت أن تعود إلينا في يوم مثله فافعل.
فقمت ولم أدر جوابا ولا أودّعه. ودخلت على الأمير ، ولم أذكر له شيئا من ذلك.
فلما كان اليوم الذي وعدني لقائه صرت إليه فاستودى لي عليه فتلقاني من باب الدار وعانقني ، وقبّل بين عيناي وقدمني أمامه ومشى خلفي ، ثم أقعدني في صدر إيوانه ، وقد فرشت الدار بأمتعة فاخرة وزينت بأنواع الزينة ، وتأدب معي أدبا عظيما.
ثم جاء السماط ، وقدمت الموائد وعليها من ألوان الأطعمة ما لا يحصى كثرة وحسنا ، وجاءت بعده أنواع الفواكه في أطباق الذهب والفضة.
ثم جيء بعد ذلك بآلة الشراب في أواني البلور المسبك بالذهب المرصع بالمعادن النفيسة ، والشراب متخذ من ماء الرمان المضاف إليه من البهارات والمسك ما لا وصف لحسنه وطيبه فشربنا والوصائف يحفون بنا من كل جانب للخدمة. فلما أردت الانصراف حمل معي جميع ما حضر من آنية الذهب والفضة والأمتعة والخدم حتى لم يدع شيئا مما وقعت عيني عليه إلا حمله معي.
وقدم لي جوادا بسرج من ذهب مرصع ثم قال : إذا زارك أخوك بغير عزيمة فلا تتكلف له واقتصر على ما يكون حاضرا ، وإذا دعوته لضيافتك ، فاحتفل له ولا تدع من قدرتك شيئا وافعل كفعلنا معك يوم زيارتك لنا وكما فعلنا بك يوم دعوناك.
فلما أن دخلت على أمير المؤمنين وأعلمته بفعله أولا وأخيرا فقال : تعلم هذه المروءة الكاملة.
بناء دار جعفر
/ قال الجاحظ : أتى يحيى بن خالد ولده جعفر وهو يبني داره ببغداد.
فقال له : أراك تغطي الذهب بالفضة في دارك ـ معناه : تغطي الآجر بالجص؟!
فقال : هو كما أشرت فهل ترى عيبا؟
قال : نعم.