فلما دخلوها وجدوا من الفرش وأنواعه ما حار عقله ومن معه وعظمه وفخره ، فرأوا ملكا عظيما ، ومن الغلمان والخدم ما أهالهم.
فنصب ثلاث موائد (١) مسبكات بالذهب مرصعات بالمعادن ، على كل مائدة ألوان لا تشبه غيرها تحملها ثلاثمائة وصيفة. والأطعمة في صحاف الذهب والفضة ، والأواني من الصيني. فلما رفعت الموائد قال ابن طاهر :
ـ هل أكل الغلمان شيئا؟
قال : قد مدّ لهم موائد ليست مما فضل مما كان بين أيديهم.
فقال ابن طاهر : يا أبا الحسن شتان بين يومك وأمسك.
فقال : أيها الأمير ، ذاك لمن حضر بغير عزيمة ، وأما يومنا هذا فإنه المروءة وهذه مروءتي.
فخرج من عنده متعجبا مما رآه وكذلك من كان معه.
في الكرم :
ومما نقله ابن خلاد في تاريخه : أن محمد بن نصر بن بسام ممن أجمع الناس على كرمه وعظيم مروءته وسخاءه ، فبلغ ذلك أمير [المؤمنين] الموفق ذلك ، فعجب مما سمع ، وأحب أن يرى ذلك من غير علمه. فركب الموفق إلى داره وقت غدائه على حين غفلة من علمه ليشاهد ما سمع ، فدخل داره من غير إذن وجعل يطوف / فيها فأفضى إلى مطبخ وقد فرغ الطباخ من شغله ، فرأى من القدور والشنانير ما أهالهم كثرة وحسنا وعاد إلى الدار ، فدخل مطبخا آخر فإذا فيه مثل ما قبله وطباخين جواري.
فقال : ما هذا يا أبا جعفر؟
قال : هذا برسم العيال من الخدم.
فقال : هل غير هذا؟
فقال : نعم ، مطبخ آخر.
فقال : أرني إياه.
فلما رآه إذا هو مثل ما قبله.
قال : وما هذا؟
فقال : للغلمان والحاشية.
__________________
(١) في المخطوط مائدة وهو تحريف.